للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه الجملة من الحديث فيها الاحتياط التام لصحة الإيمان، فإن كان ما في كتابهم مما لم يقم دليل في كتابنا على صحته صحيحاً فإن هذه الجملة تقتضي إيماننا به وسلامتنا من تكذيب ما أنزل الله، وإن كان كذباً فإن هذه الجملة تقتضي تكذيبنا له وبراءتنا من الإيمان بكذب لم ينزله الله (١)، وكان يجب على أهل الكتاب أن يحكموا بما أنزل الله فيها، ولكنهم حرفوها ونبذوها وراء ظهورهم كما أنهم نسوا وأضاعوا جزءاً منها (٢).

ثانياً: أهمية الإيمان بالكتب:

أنزل الله - عز وجل - كتبه هدايةً للعباد، وجعل لها المنزلة السامية، والمكانة الرفيعة، وجعلَ الإيمان بها ركناً من أركانِ دينهِ، لا يصح إيمان العبد إلا بالإيمان بها، وقد اشتملت هذه الكتب على العقائد التي أوجبها الله على عباده، وعلى الشرائع التي شرعها - عز وجل -، سواء كانت عبادات أو معاملات، فنظمت العلاقة بين العبد وربه، وبينه وبين نفسه، وبين الناس، ومن هنا كان للإيمان بالكتب أهمية عظمى، تبرز فيما يلي (٣):

o العلم بعناية الله تعالى بعباده:

التأمل لهذه الكتب يظهر عناية الله تعالى بعباده ورحمته بهم حيث أنزل لكل قوم كتاباً يهديهم إلى الطريق المستقيم (٤)، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} المائدة: ٤٤، وقال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ} المائدة: ٤٦، وقال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢)} البقرة: ٢، فكل هذه الكتب استهدفت هداية البشر في أوقات وأماكن محدودة، فلم يتركهم سبحانه هملاً تتخطفهم الأهواءُ والشهوات، وتتقاذفهم الميولُ والرغبات، بل هيَّأ لهم من الأسباب ما يُصلِحُ أمرهم ويسددُ وجهتهم.


(١) الإيمان بالكتب لأبي سيف (ص ٥٤).
(٢) ينظر: سورة القرة آية (١١٠)، وسورة المائدة آية (١٤).
(٣) ينظر: القصد والوسطية في ضوء السنة والنبوية، لعبد الواحد الشربيني (ص ٢٥٤ - ٢٥٩)، وأسس العقيدة الإسلامية لمحمد حسن حبنكة الميداني (ص ٥٣٨ - ٥٤٠)، وأركان الإيمان، لعلي الشحود (ص ٩٢).
(٤) وتلحظ هذه الهادية باستشعارُ نِعم الله وآلائه التي لا تعدُّ ولا تحصى، من إسباغ نعمة الإيمان به، وما يتبعها من الإيمانٍ بما أنزله من كتب، في مقابل التأمل لحالَ من حُرم هذه النّعم، وحال من كان يحيا حياة الغيِّ والضلالِ، لا يدري الهدفَ من سيره، وما هي الغاية التي يسعى إليها من مسيره، قال تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢)} الملك: ٢٢.

<<  <   >  >>