للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أجل ذلك انقسم المسلمون في باب مسائل الإيمان إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: المرجئة (١)، وإن أحسنوا في إثبات إيمان أهل الذنوب، والرحمة لهم؛ إلا أنهم أساؤوا حين قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة (٢)، وأن من صدّق بقلبه ولو لم يعمل فهو مؤمن كامل الإيمان، فمرتكب الكبيرة عندهم مؤمن كامل الإيمان، ولا يستحق دخول النار.

وقد سموا بالمرجئة؛ لأنهم قالوا: إن الأعمال ليست من الإيمان، فأخروا الأعمال أي: أرجئوها، فبذلك سموا (٣).

وأما القسم الثاني: فهم الوعيدية (٤)، وهؤلاء وإن أحسنوا في إدخال العمل في مسمى الإيمان، إلا أنهم أساؤوا حين قالوا: بأنه لا يستحق اسم الإيمان إلا من صدّق بجنانه، وأقر بلسانه، وقام بجميع الواجبات، واجتنب جميع الكبائر، فمرتكب الكبيرة عندهم لا يسمى مؤمنا، ولكنهم اختلفوا هل يسمى كافراً أو لا؟ فالخوارج يسمونه كافراً ويستحلون دمه


(١) المرجئة: هم من أخرجوا العمل عن حقيقة الإيمان، وكانت بدايتهم في أواخر العقد السابع وأوائل العقد الثامن من المائة الأولى للهجرة ٨٢ هـ، وهم أقسام وفرق متعددة مختلفة في تحديد معنى الإيمان، فمنهم القائلون بأن الإيمان بالقلب واللسان فقط: مرجئة الفقهاء، وابن كلاب. ومنهم القائلون بأن الإيمان بالقلب فقط: الجهمية، والمريسية، والصالحية، والأشعرية، والماتريدية. كما أن منهم القائلون بأن الإيمان باللسان فقط: الكرامية. وغيرهم من الحداثيين والعقلانيين والعصرانيين الذين يطالبون بتجديد الفقه الإسلامي بأي طريقة ووسيلة.

قد يتصور البعض أن المرجئة كسائر الطّوائف لهم آراء في جميع المجالات الكلاميّة، خاصّة بهم، يفترقون بها عن غيرهم، لكنَّ الأصل المقوّم للمرجئة هو مسألة تحديد الإيمان والكفر. وأمّا الموضوعات الاُخرى فليس لهم فيها رأي خاصّ. ولأجل ذلك تفرّقوا في آخر أمرهم وذابوا في فرق متبدّدة ومتضادّة، وهي:
١ ـ مرجئة الخوارج ٢ ـ مرجئة القدرية ٣ ـ مرجئة الجبرية ٤ ـ المرجئة الخالصة.
ينظر: الملل والنحل (١/ ١٣٩ - ١٤٠)، مقالات الإسلاميين (١/ ٢١٣ - ٢٢٣)، والفرق بين الفرق (ص ٢٠٢)، والفصل (٥/ ٧٣)، والملل والنحل (١/ ١٣٧).
(٢) ينظر في تقرير مذهب هؤلاء، وأقوال العلماء فيه: السنة للخلال (٣/ ٥٧٦ - ٥٨٧)، وخلق أفعال العباد للبخاري (ص ١٥)، والرد على الجهمية للدارمي (ص ٢٥)، ومجموع الفتاوى (٧/ ٥٨٢ - ٥٨٥، ٢٠٩).
(٣) ينظر: الإيمان لابن تيمية (ص ١٨٩ - ٢٣٩)، والتسعينية (ص ١٦٠)، ومجموع الفتاوى (٢/ ٩٤).
(٤) الوعيدية: هم من يُغلب جانب الخوف والوعيد على جانب الرجاء والوعد عند حكمهم على مرتكب الكبيرة، ويقولون بإنفاذ الوعيد، وأن مرتكب الكبيرة إذا مات ولم يتب؛ فهو مخلَّد في النار. وقالوا: إن الله توعَّد العاصين بالنار والعذاب، وهو لا يخلف الميعاد. وأبرز من يمثل مذهبهم الخوارج والمعتزلة، ومن وافقهم.

ينظر: شرح العقيدة الواسطية للهراس (ص ١٨٨)، ونواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف (١/ ١٣٣).

<<  <   >  >>