للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا المذهب من جنس سابقه في عدم إثبات وجود الله - عز وجل - وجوداً متميزاً عن سائر مخلوقاته.

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: إن تصور مذهب هؤلاء كاف في بيان فساده، لا يحتاج مع حسن التصور إلى دليل آخر. واتفق سلف الأمة وأئمتها: أن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وقال من قال من الأئمة: من شبه الله بخلقه فقد كفر، فكيف من جعله عين المخلوقات، وجعله نفس الأجسام المصنوعات؟ فتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً (١).

- ثالثاً: (اعتقاد إلهين متماثلين أو أكثر):

ليس في الأمم من أثبت لله - عز وجل - قديماً مماثلاً له في ذاته سواء قال: إنه يشاركه، أو قال: إنه لا فعل له، بل من شبه به شيئاً من مخلوقاته فإنما يشبهه في بعض الأمور، وقد علم بالعقل امتناع أن يكون له مثل في المخلوقات يشاركه فيما يجب أو يجوز أو يمتنع عليه؛ لأن ذلك يستلزم الجمع بين النقيضين ... وعلم أيضاً بالعقل أن كل موجودين قائمين بأنفسهما فلا بد أن يكون بينهما قدر مشترك كاتفاقهم في مسمى الوجود، والقيام بالنفس، والذات، ونحو ذلك فإن نفي ذلك يقتضي التعطيل المحض (٢).

إلا أن هناك من اعتقد بوجود إلهين قادرين أو أكثر، كشرك النصارى الذين اتخذوا معه أربابا، فجعلوه ثالث ثلاثة؛ وشرك المجوس القائلين بأن للعالم ربين فأسندوا حوادث الخير إلى النور، وحوادث الشر إلى الظلمة، ومن قالوا بقدم العالم: يعني أن الله تعالى لم يخلق هذا العالم، بل لم يزل ولا يزال معه.

التعطيل والإشراك لازمان لكل من أثبت فاعلاً مستقلاً غير الله، فالقدرية أثبتوا فاعلاً مستقلاً غير الله فقالوا: إن العبد يخلق فعله، فلزمهم بهذا القول التعطيل والشرك؛ أما التعطيل فبإخراج أفعال العباد عن خلق الله، وأما الشرك فبإثباتهم شركاء لله يفعلونها، وهم العباد أنفسهم. كذلك الفلاسفة أثبتوا فاعلاً مستقلاً غير الله فقالوا: إن الفلك هو المحدث للحوادث التي في


(١) ينظر: مجموع الفتاوى (٢/ ١٢٦) (٢/ ١٣٨).
(٢) ينظر: مجموع الفتاوى (٣/ ٩٨ - ١٠٠) (١١/ ٥١).

<<  <   >  >>