للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانياً: أسباب ظهور البدع المتقابلة:

لا يخفى أن البدع والمحدثات في الدين هي أصل كل بلاء، وسبب كل فتنة، وأن انتشارها وظهورها لأمر عظيم وخطر جليل، وهو عنوان تخلف الأمة وبُعدها عن دينها، وإن دواعي البدعة وبواعثها لكثيرة ومتعددة، يصعب حصرها، لتجددها وتنوعها حسب الأحوال والأزمان والأمكنة والأشخاص.

ولا شك أن لكل انحراف في الدين أسباباً وعوامل أسهمت -بشكل أو بآخر- في إيجاده؛ لذا فإن الوقوف على الأسباب الكامنة وراء "ظهور البدع المتقابلة" يسهم كثيراً في تجنبها، قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ((إن أصحابي تعلموا الخير، وإني تعلمت الشر، قالوا: وما حملك على ذلك؟ قال: إنه من يعلم مكان الشرّ يتقه)) (١).

وعليه فيمكن إرجاع الدواعي والأسباب التي أدت إلى ظهور البدع المتقابلة وانتشارها في أوساط المسلمين إلى عدة أسباب؛ أذكر منها على وجه الاختصار ما يلي (٢):

١ - إحسان الظن بالعقل البشري: إن الله جعل للعقول في إدراكها حداً تنتهي إليه ومجالاً تعمل فيه لا تتعداه، وإن أهل البدع حين قلَّت بضاعتهم من العلم الشرعي وفهم السنن (٣)، استهانوا بنصوص الشرع، وعدلوا عن اتباع نهج السلف، ولجأوا إلى الاعتماد على العقل، فلما حكموا عقولهم قصرت وعجزت عن إدراك حقيقة الغيبيات من المخلوقات، بل لم تحط بعلم الشهادة وما تدركه الحواس، فوقفوا عند نهاية مدارك العقول والأوهام والظنون والخيالات الفاسدة وجعلوها عقائد لهم.

وقد شاع بين طائفة من الناس التفكير الفلسفي في إثبات العقائد وقد جرهم هذا إلى دراسة مسائل ليس في استطاعة العقل البشري أن يصل إلى نتائج مقررة ثابته فيها، كمسألة إثبات صفات الله تعالى ونفيها، ومسألة قدرة العباد


(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم (٣٦٠٦)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن وتحذير الدعاة إلى الكفر، برقم (١٨٤٧).
(٢) ينظر: الاعتصام (١/ ٢٥٨ - ٢٥٩)، البدع الحولية لعبد الله التويجري (ص ٣٧)، وسطية أهل السنة بين الفرق، د. محمد باكريم محمد با عبد الله (ص ١١٦، ٣٠٠)، مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية، د. عثمان جمعة ضميرية (ص ٢١٠).
(٣) ومن يعلم منهم ذلك يحجبه هواه عن فقهه.

<<  <   >  >>