للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- رابعا: أثر اجتماع الرد على البدع المتقابلة في موطن واحد.

باب التكفير نفياً وإثباتاً باب عظمت فيه الفتنة، وعمّت به المحنة، وكثر فيه الافتراق، وتشتت فيه الأهواء والآراء، وتعارضت فيه الحجج والأدلة، حتى صارت كل فرقةٍ ترمي أختها بالكفر والخروج من الملة، وكلٌّ يدعي لنفسه أنه الموحّد المؤمن، وغيره المشرك الكافر (١).

من أجل هذا تواترت النصوص الدالة على عدم كفر مرتكب الكبيرة، وعدم خلوده في النار إن دخلها، ما لم يستحل، وهذا من الأصول الاعتقادية المجمع عليها بين أهل السنة (٢).

كما تواترت الأدلة على محاسبة الناس على أعمالهم، وقد سمى الله يوم القيامة يوم الحساب، لأنه اليوم الذي يحاسب الإنسان فيه على عمله، قال تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤)} فصلت: ٢١ - ٢٤.

من أجل هذا كان اجتماع الرد على البدع المتقابلة في موطن واحد، للدلالة على المذهب الحق مذهب أهل السنة، وقد أجمله الطحاوي (٣)

- رحمه الله - في قوله: " وأهل الكبائر من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين بعد أن لقوا الله عارفين (٤) وهم في مشيئته وحكمه إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله، كما ذكر - عز وجل - في كتابه: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} النساء: ٤٨، وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنته، وذلك بأن الله تعالى تولى


(١) ينظر: حقيقة التكفير بين أهل السنة والجماعة والشيعة الاثني عشرية، لخالد أحمد الزهراني (ص ٨).
(٢) ينظر: نواقض الإيمان الاعتقادية، للوهيبي (١/ ١١٣).
(٣) هو: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الحنفي، محدث الديار المصرية ومفتيها، برز في علوم كثيرة، وله مؤلفات نافعة منها شرح العقيدة الطحاوية، توفي سنة ٣٢١ هـ.

ينظر: وفيات الأعيان (١/ ٧١ - ٧٢)، سير أعلام النبلاء (١٥/ ٢٧ - ٣٣)، البداية والنهاية (١١/ ١٧٤)، لسان الميزان (١/ ٢٧٤ - ٢٨٢).
(٤) قال شارح الطحاوية ابن أبي العز الحنفي معقبا على قول الطحاوي: " بعد أن لقوا الله عارفين " - قال: " لو قال "مؤمنين" بدل قوله: "عارفين" كان أولى، لأن من عرف الله ولم يؤمن به فهو كافر، وإنما اكتفى بالمعرفة وحدها الجهم وقوله مردود باطل " (ص ٣٥٩).

<<  <   >  >>