للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذلك فإن معرفة حدود المشروع - من المأمور به والمنهي عنه- من أنفع الأشياء للعبد؛ حتى لا يُدخل فيها ما ليس منها، فيكون غالياً مُفْرِّطاً، ولا يُخرج منها ما هو داخل فيها، فيكون مقصراً مُفَرِّطاً (١).

وقد قرر العلماء أن الحق واسطة بين التفريط والإفراط، وهو معنى قول مطرف بن عبدالله: "الحسنة بين السيئتين" (٢) وبه نعلم أن من جانب التفريط والإفراط فقد اهتدى.

- العلاقة بين الغلو والبدع:

الدليل على هذا تقارب معنى الغلو ومعنى البدعة، أن البدعة اصطلاحاً هي: الإضافة إلى الدين (٣)، يقول ابن رجب الحنبلي - رحمه الله -: " ما أُحدث مما لا أصل له في الشريعة يدّل عليه، أما ما كان له أصل من الشرع يدّل عليه فليس ببدعة شرعاً وإنْ كان بدعة لغةً" (٤).

والغلو (٥) في الدين نقيض الجفاء عنه، حيث إن مضمون الأخير التساهل في التدين الذى يلزم منه التقصير في الالتزام بضوابط الدين، غير أن كليهما يلتقيان في المحصلة (عدم الالتزام بضوابط الدين سواء بتجاوزها أو التقصير في الالتزام بها).

يقول ابن القيم - رحمه الله -: " ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين الجبلين، والهدى بين الضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين" (٦).


(١) ينظر: الفوائد لابن القيم (ص ٢٠٥ - ٢٠٦).
(٢) ينظر: عيون الأخبار لابن قتيبة (١/ ١٣٨)، وغريب الحديث لابن سلام (٢/ ٢٨)، ومجموعة رسائل ابن رجب الحنبلي، جمع: أبو عادل العزازي (ص ١٣٣).
(٣) موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع، أ. د. إبراهيم الرحيلي (ص ٩١ - ٩٣)، وينظر: الاعتصام (١/ ٣٨)، وقواعد في معرفة البدع (ص ٢٢).
(٤) جامع العلوم والحكم، لابن رجب الحنبلي ت. الأرناؤوط (٢/ ١٢٧).
(٥) والغلو آفة تصيب التدين ككسب بشرى، لا الدين كوضع إلهي.
ينظر: الغلو مفهومة وحقيقته وصوره وأسبابه وعلاجه، لعبد الله بن محمد الغليفى (ص ٩).
(٦) مدارج السالكين (٢/ ٤٩٦، ٥١٧)، وينظر: مفتاح دار السعادة (٣/ ٣٠٣)، وكتاب الروح (ص ٣٤٧).

<<  <   >  >>