للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما سبق من التعريف اللغوي للغلو وما ورد فيه من آيات وأحاديث (١)، وكذلك تعريف العلماء وبيان ضابطه، يتضح المعنى الشرعي للغلو بأنه:

مجاوزة الحد (٢) المشروع، بالزيادة فيه أو المبالغة إلى الحد الذي يخرجه عن الوصف الذي أراده وقصده الشارع (٣).

وبعد أن تبين لنا معنى (الغلو) لغة وشرعاً، فهناك ألفاظ شرعية، بَينَها وبين لفظة الغلو تقارب مثل: التنطع، والتشدد، والتعمق، والتطرف، والعنف وغيرها (٤)،

كما أن هناك ألفاظاً


(١) ولست بصدد ذكر الأحاديث التي تنهى عن الغلو وتذمه تصريحا به وغير تصريح، فهي كثيرة جدا، إلا أن من أشهرها قصة حديث أنس المشهور في قصة الثلاثة الذين جاءوا وسألوا عن عمل الرسول، - صلى الله عليه وسلم - في السر، فكأنهم تقالوا، فكان من مقولتهم ما هو معروف، وكيف واجه رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - هذا الأمر.
ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم (١/ ٢٨٩)، ومشكلة الغلو في الدين في العصر الحاضر: الأسباب -الآثار- العلاج، د. عبدالرحمن اللويحق (١/ ٢٣ - ٢٧)، والغلو وأثره في ظاهرة التكفير (٢٥٠٣).
(٢) الحدود: هي النهايات لما يجوز من المباح المأمور به، وغير المأمور به.
ينظر: مجموع الفتاوى (٣/ ٣٦٢).
(٣) ينظر: كتاب الوسطية في ضوء القرآن (ص ٤٠).
(٤) بيان معاني هذه المصطلحات باختصار، كالتالي:
التنطع: يقال: تنطع في الشيء: غالى فيه وتكلف، وهو التكلف المؤدي إلى الخروج عن السنة، وقد ورد في الشرع النهي عن التنطع، في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((هلك المتنطعون)). ينظر: مختار الصحاح (ص ٦٦٦)، المعجم الوسيط (٢/ ٩٣٠) (نطع).
والتشدد: يقال: شدد في الأمر: غالبه وبالغ فيه، والشدة: الصلابة، وهي نقيض اللين، والتشدد نقيض التخفيف. ينظر: لسان العرب (٣/ ٢٣٢)، الصحاح (٢/ ٤٩٣)، النهاية في غريب الحديث (٢/ ٤٥١)، فتح الباري (١/ ٩٤).

والتعمق: هو بمعنى التشدد، يقال: تعمق في كلامه أي: تنطع، والمتعمق: المبالغ في الأمر المتشدد فيه، الذي يطلب أقصى غايته، المتكلف ما لم يكلف به. وقد جمع الإمام البخاري بينه وبين الغلو في بعض تراجم في الصحيح، فقال: "باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع" ينظر: صحيح البخاري كتاب الاعتصام (١٣/ ٣٢٥) برقم (٧٢٤١)، وفتح الباري (٤/ ٣٠٢)، الصحاح (٤/ ١٥٣٣)، لسان العرب (١٠/ ٢٧١)، النهاية في غريب الحديث (٣/ ٢٩٩)، ومعجم المناهي اللفظية لبكر أبو زيد (ص ١٩٠).
والتطرف: كثر استعماله في الوقت الحاضر للتعبير عن الغلو، فالتطرف: الناحية من النواحي، وطرف كل شيء: منتهاه، وتطرف الشيء: صار طرفاً، وتطرف في كذا: جاوز حدَّ الاعتدال ولم يتوسط. ينظر: لسان العرب (٩/ ٢١٦ - ٢١٧)، معجم مقاييس اللغة (٢/ ٩٠).
والعنف: ضد الرفق، وهو الشدة والقسوة، في القول أو الرأي أو الفعل أو الحال. ينظر: لسان العرب (٩/ ٢٥٧ - ٢٥٨)، القاموس المحيط (٣/ ١٧٨)، النهاية لابن الأثير (٣/ ٣٠٩).
والتعنت: هو الإثم والوقوع في أمر شاق، والعنت: المشقة والفساد والهلاك، والتشدد والتعنت بمعنى واحد. ينظر: الصحاح (١/ ٢٥٨)، ولسان العرب (٢/ ٦١)، النهاية في غريب الحديث (٣/ ٣٠٦).
التحمس: أي: التشدد في الأمر، والأحمس: الشديد الصلب في الدين. ينظر: معجم مقاييس اللغة (ص ٢٨٢)، الصحاح (٣/ ٩٢٠)، النهاية في غريب الحديث (١/ ٤٤٠)، فتح الباري (٣/ ٥١٦).
وبعض هذا المصطلحات بمثابة مظاهر وأوصاف للغلو: فالغالي يتسم في أخذه للدين بالشدة، وفي معاملة الآخرين بالعنف، ويتسم بالتنطع والتعمق في أعمال الدين. ينظر: الغلو في الدين في الحياة المعاصرة (ص ٦٢).

<<  <   >  >>