للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: عناية العلماء بالرد على أهل البدع ومناهجهم في ذلك.]

إن العناية بتصحيح العقائد والعبادات دين يتقرب العبد به لله، وعبادة يزدلف بها لمولاه، ولا يزال سلف الأمة يقتفون في ذلك آثار الأنبياء والمرسلين والدعاة المصلحين الذين هداهم الله للحق القويم والصراط المستقيم فجاهدوا في سبيل إحياء السنن وقمع الجهالة والبدع، فنالوا بذلك خيرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو القطب الأعظم في الدين، والمهم الذي ابتعث الله له النبيين والميزة التي امتازت بها أمة سيد الثقلين - صلى الله عليه وسلم -: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (١) تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} آل عمران: ١١٠.

ومن الثابت تاريخياً أن الصحابة رضوان الله عليهم هم الذين تولوا تعليم الناس في عصر الفتوحات الإسلامية، فما إن مات النبي - صلى الله عليه وسلم - وفتحت الأمصار إلا وانتقل عدد كبير من الصحابة إلى تلك البلدان (٢) .. وقد تخرج على أيديهم جل الفقهاء والعلماء والمحدثين من التابعين، فهم العلماء وهم القضاة وهم المفتون في النوازل الفكرية والدينية، وهذا كله راجع إلى أن فكرهم هو الفكر السائد في المجتمع (٣).

وقد تنوع جهاد هؤلاء العلماء لحماية جناب الدين، والدفاع عن حياض سنة سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم -، وتعددت مناهجهم وطرقهم في الرد على المبتدعة الضالين، فمنها:

أولاً: جمع السنن والآثار مع تمييز صحيحها من ضعيفها:

لقد اهتم علماء المسلمين بتجلية كافة الجوانب التي لها علاقة بالحديث سنداً ومتناً، من أجل تمييز المقبول منها عن المردود، أو الصحيح والحسن والصالح من السقيم والمتروك والموضوع، وخاصة منذ الفتنة التي وقعت في آخر عهد سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - والتي كانت نقطة انعطاف ومرحلة تحول، حيث انتسب إلى الإسلام قلة من الرجال ضعيفي الإيمان الذين أباحوا لأنفسهم الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نُصرةً لبدعتهم وأهوائهم.


(١) القرآن يفسر بعضه بعضا، بين وصف الأمة بالخيرية، ووصفها بالوسطية تلازم؛ إذ أن الوسطية في لغة العرب الخيار.
ينظر: أضواء البيان (١/ ٨٧).
(٢) ينظر: أسد الغابة لابن الأثير (٣/ ١٥٣).
(٣) ينظر: التفسير السياسي للقضايا العقدية في الفكر العربي لسلطان العميري (ص ٩٥ - ٩٧).

<<  <   >  >>