للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: الانحراف المؤدي إلى الإفراط في توحيد الأسماء والصفات.]

من جملة المخالفين لأهل السنة والجماعة في هذا الباب من غير المعطلة: مبتدعة الصوفية والرافضة وغيرهما، فمخالفتهم لا تتعلق بإثبات الأسماء والصفات أو نفيها كما هو الشأن مع المعطلة، بل مخالفتهم من جهة التسوية بين الله وبين المخلوقين، والكمال المختص بالله - عز وجل - ليس لغيره فيه نصيب، فادعاؤه منازعة للربوبية المتضمنة للأسماء والصفات وفرية على الله - عز وجل -.

ومن أجل هذا فإن الانحراف المؤدي إلى الإفراط في توحيد الأسماء والصفات، يأتي من طريقتين، وهما:

- أولاً: إرادة تنزيه الله عن النقص.

إن دعوى تنزيه الله عن النقص في ربوبيته أو عبادته قد ادعاها قوم من الكفار ممن جعلوا لله شركاء أو شفعاء ووسطاء، تنزيها له -بزعمهم- عن أن يعبدوه مباشرة، ولكنهم وقعوا في أعظم الشرك والكفران، فكما ادَّعى أولئك المشركون التنزيه في عبادة الله فضلوا، ادعى المتجهمة التنزيه في صفاته فضلوا (١)، كما ادعى المتصوفة تنزيه الله من العدم فبالغوا في الإثبات حتى قالوا بوحدة الوجود، والاتحاد والحلول (٢)، فأضفوا على المخلوق صفات الكمال التي لا تصلح إلا لله - عز وجل - (٣)،

وجعلوا الله - سبحانه وتعالى - مخالطاً للقاذورات والأوساخ تعالى الله عن جهلهم وغلوهم، وهنا يقعون فيما فروا منه وهو التشبيه، ففرطوا غاية التفريط في الله وأسمائه وصفاته وأفعاله ودينه، وغلوا في رجالهم وشيوخهم فأثبتوا لهم النفع والضر والسعادة والشقاء فيتمسحون


(١) ينظر: قلب الأدلة على الطوائف المضلة في توحيد الربوبية والأسماء والصفات (٢/ ٧١٤).
(٢) فهم يصفون المخلوق بكل ما يوصف به الخالق، ويصفون الخالق بكل ما يوصف به المخلوق، فإن الوحدة والاتحاد والحلول العام يقتضي ذلك. ينظر: درء التعارض (٧/ ٢٦٠ - ٢٦١).
(٣) كما فعل هذا بعض المنتسبين إلى هذه الأمة من الغلاة في الأشخاص كالغلاة في نبينا - صلى الله عليه وسلم - القائلين بأن له شيئاً من التصرف في الكون وأن الكون إنما خلق من أجله، ولا يغيب عنا غلاة الرافضة الذين يزعمون أن أئمتهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون كما هو ظاهر في كتبهم. ينظر: فضائح الباطنية، ت: عبد الرحمن بدوي (ص ٣٧)، واللطائف الندية في بيان توحيد الربوبية، أ. د. أحمد الغنيمان (ص ١٠٥)، ضمن مجلة الجامعة الإسلامية العدد ٢ ..

<<  <   >  >>