للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمبنى التفكير على قياس الغائب عندهم، هو أن يقاس على الشاهد، وإيجاد العلاقة بين النظير ونظيره، والله - عز وجل - ليس له ند ولا مثيل ولا مسام ولا نظير حتى يقاس عليه، أو توجد بينه وبينه علاقة، تؤدي إلى إدراك كنهه وحقيقته، وهذا لا يقدح في الإيمان بمعاني ما أخبرت به النصوص الشرعية في حق الله - عز وجل - (١).

والحقيقة أن الله - عز وجل - ليس له شبيه ولا نظير، فالتفكير الذي مبناه على القياس ممتنع في حقه، وإنما هو معلوم بالفطرة، فيذكره العبد، وبالذكر، وبما أخبر به عن نفسه، يحصل للعبد من العلم به أمور عظيمة؛ لا تنال بمجرد التفكير والتقدير؛ أعني من العلم به نفسه؛ فإنه الذي لا تفكير فيه (٢).

وهذا " القياس هو الذي اعترف أهل النار في النار ببطلانه حيث قالوا: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧)} الشعراء: ٩٧، {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٩٨)} الشعراء: ٩٨، وذم الله أهله بقوله: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١)} الأنعام: ١، أي: يقيسونه على غيره ويسوون بينه وبين غيره في الإلهية والعبودية، وكل بدعة ومقالة فاسدة في أديان الرسل فأصلها من القياس الفاسد" (٣).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -، في ذكر سبب ضلال أهل البدع في باب الأسماء والصفات: " هؤلاء الجهال يمثلون في ابتداء فهمهم صفات الخالق بصفات المخلوق، ثم ينفون ذلك ويعطلونه، فلا يفهمون من ذلك إلا ما يختص بالمخلوق، وينفون مضمون ذلك، ويكونون قد جحدوا ما يستحقه الرب من خصائصه وصفاته، وألحدوا في أسماء الله وآياته، وخرجوا عن القياس العقلي، والنص الشرعي، فلا يبقى بأيديهم لا معقول صريح، ولا منقول صحيح" (٤).

وبالجملة فإن القياس الفاسد أصل كل شر، وهذا باب واسع.


(١) ينظر: الفتوى الحموية (ص ٣٠٤ - ٣٠٨، ٥٤٣ - ٥٤٧)، ومجموع الفتاوى (١٦/ ٤١٣)، بيان تلبيس الجهمية (٣/ ٧٥٠).
(٢) نقد المنطق (ص ٤٠).
(٣) إعلام الموقعين عن رب العالمين (٢/ ٧).
(٤) مجموع الفتاوى (٥/ ٢٠٩)، وينظر: درء تعارض العقل والنقل: (٨/ ١٣٢).

<<  <   >  >>