للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: " وقد دل على ذلك إجماع الرسل من أولهم إلى آخرهم، وجميع الكتب المنزلة من عند الله، والفكرة التي فطر الله عليها خلقه، وأدلة العقول والعيان وليس في الوجود موجب ومقتض إلا مشيئة الله وحده، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ... " (١).

[ومشيئة الله وإرادته كونية وشرعية]

أما الكونية: فهي المشيئة العامة، ومثالها قول نوح - عليه السلام - لقومه: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} هود: ٣٤، فهذه إرادة كونية يتعين فيا وقوع ما أرداه الله تعالى، سواء أحبه، أم كرهه.

وأما الشرعية: فهي بمعنى المحبة للمراد، كقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (٢٧)} النساء: ٢٧ (٢).

خالف في هذه المرتبة: المعتزلة ومن وافقهم فقالوا: أفعال العباد حادثة بمشيئتهم والله - عز وجل - لم يردها، فلا تعلق له بها (٣).

المرتبة الرابعة: مرتبة الخلق، أي: أن الله خالق كل شيء، ومن ذلك أفعال العباد، فلا يقع شيء في هذا الكون إلا والله خالقه، ودليل ذلك قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ


(١) شفاء العليل (ص ٤٣).
(٢) فهذه إرادة شرعية تتعلق بما أحبه الله تعالى وطلبه سواء وقع أم لم يقع، ولا يتعين فيها وقوع المراد، وعلى هذا يمكن أن نقول إن المعاصي ليست مرادة لله سبحانه شرعاً، وإن كانت مرادة له كوناً وقدراً.

وللعبد مشيئة في تركها وفي فعلها فلا يحتج بمشيئة الله تعالى على فعلها، كما قال الله تعالى حاكيا قوله المشركين: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٣٥)} النحل: ٣٥، أما الإرادة الكونية فهي مرادة له سبحانه؛ لأنها واقعة بمشيئة الله.
ينظر: شرح العقيدة الواسطية لاين عثيمين (ص ٥٤٤).
(٣) قال القاضي عبد الجبار: " فصل في أنه تعالى لا يجوز أن يكون مريداً للمعاصي، فإن الإرادة فعل من الأفعال، ومتى تعلقت بالقبيح فتجب لا محالة، وكونه تعالى عدلاً يقتضي أن تنفى عنه هذه الإرادة". شرح الأصول الخمسة (ص ٤٣١).

<<  <   >  >>