كتاب الآيات القرآنية الواردة في الرد على البدع المتقابلة دراسة عقدية

المطلب الأول: معالم الغلو والجفاء - المعلم الثالث: بغضهم لأهل السنة والجماعة - ص: 166

السليم غير متصور أصلاً، بل هو مستحيل؛ لأن العقل السليم لا يعارض الحق، فإذا جاء ما يوهم ذلك فإن الوحي مقدم ومحكم؛ لأنه صادر عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم - والعقل لا عصمة له، بل هو نظر البشر الناقص، وتقديمه على كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ضلال وتعسف (١).

[المعلم الثالث: بغضهم لأهل السنة والجماعة]

التبس على هؤلاء الحق بالباطل، بسبب إعراضهم عن الوحي، واتباع العقول المتضاربة والمختلفة، فظنوا أن ما هم عليه هو الحق، وأن ما عليه سلف الأمة وأئمتها هو الباطل، ولذلك عادوا السنة وأهلها ورموها عن قوس واحدة بالأقوال الشنيعة- كتسميتهم إيَّاهم حشوية وجهلة وظاهرية-، ووصفوا كتبهم بالأوصاف المنفرة منها، بل حذروا من قراءتها (٢).

ولا عجب فأهل الحق يقعون في (الوسط) فخلافهم يكون مع جميع أهل الأطراف على اختلاف عقائدهم ونحلهم، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن الغالي منهم يرى المعتدل متساهلاً، والمتساهل يرى المعتدل غالياً ومتشدداً.

قال الإمام الحافظ أبو حاتم الرازي: "علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر وعلامة الجهمية أن يسموا أهل السنة مشبهة ونابتة وعلامة القدرية أن يسموا أهل السنة مجبرة وعلامة الزنادقة أن يسموا أهل الأثر حشوية " (٣).

قال أبو زرعة - رحمه الله -: "إذا رأيت الكوفي يطعن على سفيان الثوري (٤) وزائدة (٥): فلا تشك أنّه رافضي، وإذا رأيت الشامي يطعن على مكحول (٦) والأوزاعي (٧): فلا تشك أنّه

---

(١) ينظر: شرح الطحاوية (١/ ٢٢٧)، درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (١/ ٨٨ - ٢٨٠)، وبحوث في عقيدة أهل السنة والجماعة، د. ناصر العقل (ص ٣٢).
(٢) ينظر: التيار العقلي لدى المعتزلة، د. سهل بن رفاع العتيبي (ص ٣٨٦ - ٣٨٧) ضمن مجلة كلية دار العلوم العدد (٤٠).
(٣) ينظر: السنة للالكائي (١/ ١٧٩)، وعقيدة السلف للصابوني (ص ١١٨).
(٤) هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، الإمام المشهور، أحد حفاظ الحديث وأعلام السنة، مات سنة ١٦١ هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء (٧/ ٢٢٩).
(٥) هو زائدة بن قدامة -بضم القاف- الثقفي أبو الصلت الكوفي، مات سنة ١٦٠ هـ، وقيل بعدها. بنظر: تقريب التهذيب (ص ١٠٥).
(٦) هو مكحول بن عبد الله أبو عبد الله الشامي الفقيه، ثقة كثير الإرسال عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عدد من الصحابة. مات سنة ثلاث عشرة ومائة. ينظر: تقريب التهذيب (ص ٣٤٧)، وشذرات الذهب (١/ ١٤٦).
(٧) هو: عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي الدمشقي، عالم أهل الشام، الفقيه، كان صاحب سنة واتباع وقد عرف بالزهد والخشوع، كان كبير الشأن من أفضل أهل زمانه، توفي سنة ١٥٧ هـ.
ينظر: تذكرة الحفاظ للسيوطي (١/ ١٧٨ - ١٨٣)، سير أعلام النبلاء (٧/ ١٠٧ - ١٣٤).