للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- ثانياً: بيان وجه رد الآية على بدعة الإفراط.

كما أن هذه الآية -أيضاً- توضح بطلان من جعل حداً أدنى للإيمان، من لم يحققه انتفت عنه حقيقه الإيمان، ويجعلون ضابط هذا الحد الإتيان بجميع الفرائض، والكف عن جميع المحرمات، فإذا وقع الإخلال بهذين الأمرين، انتقص أصل الإيمان، وهذا ما التزمه الوعيدية.

فالوعيدية جعلوا الطاعات بجملتها ركناً في الإيمان، ولم يفرقوا بين ما ينتفي به أصل الإيمان من آحاد العمل، وبين ما لا ينتفي، وجعلوا الإخلال بها جميعاً موجباً لسلب الإيمان منه.

وقد أبان شيخ الإسلام عن غلط هؤلاء من حيث جعلهم الإيمان حقيقة واحدة متماثلة في حق جميع المكلفين فقال - رحمه الله -: " ليس الإيمان حقيقة واحدة مثل حقيقة مسمى (مسلم) في حق جميع المكلفين في جميع الأزمان بهذا الاعتبار مثل حقيقة البياض والسواد بل الإيمان والكفر يختلفان باختلاف المكلف وبلوغ التكليف له، وبزوال الخطاب الذي به التكليف ونحو ذلك" (١).

- ثالثاً: المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان.

المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان هو اعتبارهم بأن: الإيمان حقيقة واحدة إذا ذهب بعضه ذهب كله، وأنه لا يجتمع في العبد إيمان وكفر.

ومنشأ الغلط هذا انبنى عليه عند أهل الأهواء والبدع الخوض في باب الأسماء والأحكام، بمحض عقولهم، فمنهم من رأى أنه لا تأثير للأعمال السيئة في نقصان الإيمان، ومنهم من غلا حتى جعل السيئات مُزيلةً للإيمان بالكلية؛ بناء على الأصل المشترك الذي أصلوه.

والخلاصة: أن الوعيدية في هذا الباب أحسن حالاً من المرجئة؛ لأنهم في اسم الإيمان أقرب إلى قول أهل السنة، وعندهم من تعظيم شأن الطاعات والمعاصي ما ليس عند أولئك،


(١) مجموع الفتاوى (٧/ ٥١٨).

<<  <   >  >>