للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان أهل الباطل يصبرون على باطلهم والدعوة إليه، بل الموت في سبيله، فأهل الوسطية الحقة ودعاتها أجدر وأحق بهذا الأمر، قال تعالى: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٠٤)} النساء: ١٠٤.

ثامناً: الأمر بمدافعة الباطل وأهله:

الصراع بين الحق والباطل (١) قديم قدم وجود البشر على وجه الأرض، ولن ينطفئ لهيبه ولن تخمد جذوته، فهو سنة من سنن الله في الكون (٢)، فهو صراع دائم حتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ ولذا فنحن نشاهد النزاع يثور بين الحق والباطل، ويشتد بين الإيمان والكفر، ولكل اتجاه أعوانه وأنصاره، وسادته وكبراؤه؛ قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (٣١)} الفرقان: ٣١.

وبقاء الباطل ليس علامة ولا دليلاً على صحته؛ وإنما هذا الإنظار رمز إلهي على أن ناموس الشر لا ينقضي من عالم الحياة الدنيا وأن نظامها قائم على التصارع بين الأخيار والأشرار (٣).

فنزلت آيات الوسطية لتقرر لنا هذه الحقيقة (٤) وسَمَّت المتصارعين بألقابهم، ونطقت


(١) سنة التدافع بين الحق والباطل من سنن الله الجارية في خلقه وفي كونه: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (٢٥١)} البقرة: ٢٥١.
(٢) يقرر القرآن الكريم التعدد كسنه إلهيه، قال تعالى: {ولو شاء الله لجعلكم أمه واحده} (المائدة: ٤٨) {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم} (الروم: ٢٢) , وهذا التعدد مضطرد خلال الزمان {كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها الأمم} (الرعد: ٣٠) {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء} (الأنعام: ٤٢) , كما أنه مضطرد في المكان {وقطعناهم في الأرض أمما} (الأعراف: ١٦٨) {قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك} (هود: ٤٨).
ينظر: مفهوم الوسطية: ضوابطه المنهجية وتطبيقاته العملية، د. صبري محمد خليل خيري،
https://drsabrikhalil.wordpress.com
(٣) ينظر: تفسير المنار، لمحمد رشيد رضا (٤/ ٢٥٢). التحرير والتنوير (١٤/ ٤٩)، أيسر التفاسير للجزائري (٣/ ٤٦١)، التفسير المنير للزحيلي (٨/ ٣٠).
(٤) التي هي الصراع الدائر بين الحق والباطل.

<<  <   >  >>