المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان هو: اطراحهم لنصوص الشرع الدالة على اليوم الآخر، وتجاهلهم لها، إما كفراً بها، أو تقديساً للعقل عند معارضتها.
فمن فرط أنكر المعاد أو قال بالتناسخ وغيره، ومن غلا قاس أمور الآخرة على أمور الدنيا.
- رابعا: أثر اجتماع الرد على البدع المتقابلة في موطن واحد.
أتت هذه الآية الكريمة للدلالة على أن المذهب الحق هو ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، فهم وسط في باب الإيمان باليوم الآخر بين أهل التفريط الذين نفوا أو أنكروا اليوم الآخر أو بعض حقائقه التي نص عليها الشرع، وبين أهل الإفراط الذين شبهوا أعمال الآخرة بالدنيا، وجعلوا ما أخبر الله به عن ذلك اليوم في كتابه أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - مماثلاً لما يقع في عقولهم من جنس المعهود عندهم في هذا العالم؛ زاعمين أنهم بذلك معظمين لهذا الركن -الإيمان باليوم الآخر-.
وبذلك يكون أهل السنة والجماعة وسطاً بين أهل التعطيل وأهل الإفراط.
الآية الثالثة:
قال تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)} السجدة: ١٧، الآية أثبتت أن الجنة معلقة بالعمل، فتكون هذه الآية رداً على طائفتين من الفرق، وبيان ذلك فيما يلي:
- أولاً: بيان وجه رد الآية على بدعة التفريط.
دل إثبات الله - عز وجل - للجنة وما يخفي فيها من نعيم لعباده المتقين، عند قوله:{مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}، على بطلان من أنكر اليوم الآخر جملة كما هو صنيع الملاحدة وغيرهم.