للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيء إلا بعلمه؛ فيجب الإيمان "بأن الله - عز وجل - لم يزل عالماً بالخلق وأعمالهم قبل أن يخلقهم، ولا يزال عالماً بهم، ولم يزدد في علمه بكينونة الخلق خردلة واحدة ... " (١).

كما أن تقدير الأمور وتدبيرها وإرادتها في القدم لا تكون إلا من مقدر مريد مدبر أول ليس قبله شيء، وهذه هي معاني الربوبية لله سبحانه وتعالى، فالكلام في القدر كلام في الربوبية (٢).

وأدلة هذه المرتبة في القرآن الكريم أكثر من أن تحصر، فمن الأدلة قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩)} الأنعام: ٥٩، ومن السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - في أطفال المشركين: (الله أعلم بما كانوا عاملين) (٣).

[وقد خالف في هذه المسألة طائفتان]

١ - غلاة القدرية: فزعموا أن الله لا يعلم أعمال العباد قبل أن يعملوها، وهذه طائفة كفرها كثير من السلف، وقد انقرضت ولا وجود لها اليوم ولا يُعرف من ينسب إليها من المتأخرين (٤).

٢ - الفلاسفة: قالوا إن الله لا يعلم الجزئيات، وإنما يعلم الأشياء على وجه كلي، أي: يعلم الكليات دون الجزئيات (٥).

المرتبة الثانية: الكتابة، أي: أن الله - عز وجل - قد كتب كل ما هو كائن قبل أن يكون، كما قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢)} الحديد: ٢٢، قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: " وهذه الآية الكريمة من أدل


(١) الرد على الجهمية للدارمي (ص ١١٢).
(٢) الإيمان بالقدر له مساس بأقسام التوحيد والثلاثة، بدلالة الاقتضاء واللزوم. ينظر: القول المفيد (٢/ ٤٢٩)، ومجموع الفتاوى (١٠/ ١٠١٧)، منهج الحافظ ابن رحب الحنبلي في العقيدة، د. علي الشبل (ص ٦٤٨).
(٣) أخرجه مسلم في كتاب القدر باب معنى كل مولود يولد على الفكرة برقم (٢٦٥٩).
(٤) ينظر: الفرق بين الفرق (ص ٢٥)، درء التعارض (٩/ ٣٩٦)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (١/ ٢٠٠) (٣/ ٤٥٠) (٤/ ٧٧٥)، مجموع الفتاوى (٨/ ٤١٩).
(٥) ينظر: درء التعارض (٩/ ٣٩٧) (١٠/ ١٧٩).

<<  <   >  >>