للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تمهيد في تعريف الرسل]

لا شك أن الإيمان بالرسل ركن عظيم ودعامة يبنى عليه أساس كل العبادات التي جاء بها الرسل -عليهم الصلاة والسلام- (١)، كما أنه من لوازم ربوبية الله تعالى لخلقه؛ لأنه لا يحسن أن يترك عباده سدى هملاً لا يعرفهم ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم (٢).

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وبالجملة فينبغي للعاقل أن يعلم أن قيام دين الله في الأرض إنما هو بواسطة المرسلين -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، فلولا الرسل لما عبد الله وحده لا شريك له، ولما علم الناس أكثر ما يستحقه سبحانه من الأسماء الحسنى والصفات العُلا، ولا كانت له شريعة في الأرض" (٣)، وقال الشيخ السعدي - رحمه الله -: " زبدة ما أُرسِل به المُرسَلين؛ أنه البشارة والنذارة، وذلك مستلزم لبيان المبشِّر والمبشَّر به، والأعمال التي إذا عملها العبد حصلت له البشارة، والمنذِّر والمنذَّر به، والأعمال التي من عملها حقت عليه النذارة" (٤).

كما أن "تفاوت العقول والمدارك وتباين الأفكار واختلاف الأغراض والمنازع ينشأ عنه تضارب الآراء وتناقض المذاهب، وذلك مما يفضي إلى سفك الدماء، ونهب الأموال، والاعتداء على الأعراض، وانتهاك الحرمات، وبالجملة ينتهي بالناس إلى تخريب وتدمير، لا إلى تنظيم وحسن تدبير، ولا يرتفع هذا إلا برسول يبعثه الله بفصل الخطاب؛ ليقيم به الحجة، ويوضح به المحجة؛ فاقتضت حكمة الله أن يرسل رسله بالهدى ودين الحق رحمة منه بعباده، وإقامة للعدل بينهم، وتبصيراً لهم بما يجب عليهم من حقوق خالقهم وحقوق أنفسهم وإخوانهم، وإعانةً لهم على أنفسهم، وإعذاراً إليهم؛ فإنه لا أحد أحب إليه العذر من الله" (٥).

ويحسن قبل الشروع في مباحث هذا الفصل التمهيد بما يلي:


(١) ينظر: الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في العقيدة، لحياة بن محمد بن جبريل (١/ ٣٦٣).
(٢) ينظر: مدارج السالكين (١/ ٨)، ولوامع الأنوار للسفاريني (٢/ ٢٥٩).
(٣) الصارم المسلول (ص ٢٤٩).
(٤) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص ٢٥٧).
(٥) الحكمة من إرسال الرسل، للشيخ عبد الرزاق عفيفي (ص ١٥).

<<  <   >  >>