للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تمهيد في تعريف القضاء والقدر، وأهميته]

موضوع القضاء والقدر من الموضوعات الكبرى التي خاض فيها جميع الناس، وشغلت أذهان الفلاسفة والمتكلمين، وأتباع الطوائف من أهل الملل ومن غيرهم (١)، كما اعتُبِر القضاء والقدر والمسائل المندرجة تحته من أهم القضايا التي تناولها العلماء بالاهتمام والدراسة، حتى أفردها البعض منهم بالكتابة والتأليف (٢).

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الخوض والجدل في هذه القضية قد بدأت جذوره على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث نهى عن ذلك صراحة؛ إلا أن أسئلة الصحابة - رضي الله عنهم - حينها كانت أسئلة استفهام، فإذا ما جاءهم الجواب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق الله)) (٣) اكتفوا به، بل كان لهذا الجدل وجود قبل ظهور الإسلام كما أخبرنا الله - عز وجل - بذلك في كتابه المبين عن كفار قريش ومن سبقهم من مشركي الأمم أنهم ينسبون شركهم وما هم عليه من المعاصي إلى مشيئته - عز وجل - قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٣٥)} النحل: ٣٥، وقوله تعالى على لسانهم: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا} النحل: ٣٥. (٤).


(١) لو لم يكن هناك إلا مسألة الحياة والموت واختلاف الناس في الأعمار، ومسألة الغنى والفقر، والصحة والمرض، وتفاوت الناس فيها، لكان كافياً في أن يفكر الإنسان في هذه الأحداث، هل هي مقدرة أم لا؟ خاصة أن الإيمان بالله والإيمان بأن هذا الكون لا بد له من خالق ومدبر أمر فطري، فكيف لو أضيف لذلك سوء فهم عقيدة الإيمان بالقدر على الوجه الصحيح المطلوب.
ينظر: القصد والوسطية في ضوء السنة النبوية (ص ٣٤١ - ٣٤٢).
(٢) كما فعل الإمام البخاري رحمه الله حيث ألف كتابه الشهير (خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل)، وكذلك الإمام ابن القيم رحمه الله الذي سمى كتابه (شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل)، كما ذكر هذه المسألة وإيمان أهل السنة والجماعة بها كثير من أهل العلم، والسنة للإمام عبد الله بن أحمد (٢/ ٤١٧ - ٤٢٢)، والسنة للخلال (٣/ ٥٤٠)، وشرح السنة للبربهاري (ص ٨٦)، والإبانة لأبي الحسن الأشعري (ص ٢١)، وشرح مذاهب أهل السنة لابن شاهين (ص ٣١٩)، والقيروانية لابن أبي زيد القيرواني (ص ٣٠)، والشرح والإبانة لابن بطة العكبري (ص ١٩٣)، وعقيد السلف وأصحاب الحديث للصابوني (ص ٢٨٤)، والاعتقاد والهداية للبيهقي (ص ٨٣، ٩٣، ١٠٧)، والتمهيد للإمام ابن عبد البر (٢/ ٢٧٧) من كتاب "فتح البر في الترتب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر"، والحجة في بيان المحجة لأبي القاسم الأصبهاني (٢/ ٤٣٤)، ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي (ص ٢١٥)، وغيرهم كثير.
(٣) جزء من حديث أخرجه البخاري في صحيحه: في كتاب التفسير سورة الليل، باب "وما خلق الذكر والأنثى" برقم (٤٦٦٢)، ومسلم في كتاب القدر باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته برقم (٢٦٤٨).
(٤) ينظر: تفسير القرآن العظيم (٤/ ١٩٣ - ١٩٤).

<<  <   >  >>