للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بجوار قدرة الرب، وغير ذلك من المسائل، فإن البحث في هذه المسائل يفتح باباً واسعاً من أبواب الاختلاف (١)، إذ تختلف الأنظار، وتتباين المسالك ويتجه كلٌ اتجاهاً يخالف الآخر، وربما كان أكثر المسائل التي وقع الاختلاف فيها بين علماء الكلام من هذا القبيل (٢)؛ وكل أهل التأويل يقولون بتحكيم العقل وهم مع هذا مختلفون، فإن جاز لنا تحكيم العقل فإلى أي عقل نحتكم! .

ذلك إذا عرفنا أن قوى العقول متفاوتة مختلفة، وكثيراً ما يشتبه المجهول بالمعقول، فلا يمكن أن يفصل بين المتنازعين قول شخص معين ولا معقوله، وإنما يفصل بينهم الكتاب المنزل من السماء، والرسول المبعوث المعصوم فيما بلغه عن الله تعالى، ولهذا لا تجد ممن خرج عن الاعتصام بالكتاب والسنة من الطوائف إلا وهم متفرقون مختلفون {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} هود: ١١٨ - ١١٩، وأهل الرحمة هم أهل الإيمان والقرآن (٣).

٢ - معارضة الكتاب والسنة: إن من أسباب البدع المتقابلة وظهور أحوالها الفاسدة، الخروج عن الشِّرعة والمنهاج، الذي بعث به الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلينا، فإن البدع هي مبادئ الكفر ومظانه (٤)، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ما عليه أهل الأهواء من معارضتهم للكتاب والسنة بأنهم جعلوا أقوالهم البدعية أصولاً لدينهم، فقال: " وهؤلاء الذين يعارضون الكتاب والسنة بأقوالهم بنوا أمرهم على أصل فاسد، وهو أنهم جعلوا أقوالهم التي ابتدعوها هي: الأقوال المحكمة التي جعلوها أصول دينهم، وجعلوا قول الله ورسوله من المجمل الذي لا يستفاد منه علم ولا هدى، فجعلوا المتشابه من كلامهم هو: المحكم، والمحكم من كلام الله ورسوله هو: المتشابه؛ كما يجعل الجهمية من


(١) لأن كلاً منهم له مستوى من التفكير والمعقول توهم أنه الحق والغاية؛ فأهل البدع المتقابلة كل يتبع هواه أولا، ثم يطلب المتشابه من الأدلة عليه ثانيا، ويخوضون به ليجعلوه دليلا شاهدا على عقائدهم الفاسدة ثالثاً.
ينظر: الاعتصام (١/ ٢٢١).
(٢) ينظر: الاعتصام للشاطبي (١/ ٢٢١)، وتاريخ المذاهب الإسلامية لمحمد أبو زهرة (ص ١٤)، ودراسات في الفرق والأهواء (١/ ٣٢٥).
(٣) ينظر: بيان تلبيس الجهمية (٢/ ٢٧٣)، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة (١/ ٢٦٥).
(٤) ينظر: مجموع الفتاوى (١٠/ ٥٦٥).

<<  <   >  >>