للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما ورد الأمر بالإيمان بكتب الله جميعاً من غير تفريق، قال الله - عز وجل -: {وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ} الشورى: ١٥، إلا أن القدر الذي تحصل به الركنية الواجبة على كل فرد من آحاد المؤمنين هو أن يؤمن إيماناً مجملاً بأن الله أنزل كتباً على أنبيائه فيها مراده من عباده هي وحيه الذي تكلم به وأوحاه إلى رسله، وأنه يجب الإيمان بما ورد في شأنها في كتاب الله المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -: القرآن، على الوجه الذي ورد به، إجمالاً فيما أجمله، وتفصيلا فيما فصله، وأن يؤمن بأن الإيمان بـ"القرآن" خاصة يجب على التفصيل باعتقاد عقائده والتزام شرعته عملاً بأوامره وانزجاراً عن نواهيه وتأدباً بآدابه.

وهذا القدر المجمل هو الذي يحصل به أصل الواجب وتستوفى به الركنية، ثم المؤمنون يتفاوتون بعد ذلك في استكمال الواجب وتحقيق تمامه، فكل من علم شيئاً من تفاصيل ذلك وجب عليه الإيمان به وزاد به إيماناً على الذي لم يعلمه، فمفردات الإيمان المجمل هي مورد التفاوت (١).

يقول ابن أبي العز - رحمه الله -: " وأما الإيمان بالكتب المنزلة على المرسلين، فنؤمن بأن لله تعالى سوى ذلك كتباً أنزلها على أنبيائه، ولا يعرف أسماءها وعددها إلا الله تعالى (٢)، وأما الإيمان بالقرآن، فالإقرار به، واتباع ما فيه، وذلك أمر زائد على الإيمان بغيره من الكتب" (٣).

[والكتب المنزلة من عند الله تعالى قسمان]

الأول: ما لم ترد تسميتها في القرآن والسنة، وهي أكثرها، فهذه يجب الإيمان بها إجمالاً؛ لأن الله سبحانه أخبرنا: أن لكل نبي أرسله، رسالة بلغة قومه (٤)، فقال: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ


(١) ينظر: : الإيمان بالكتب، أ. د. محمد أبو سيف (ص ١٦ - ١٧).
(٢) ورد في بيان عدد الكتب الإلهية ما يفيد أنها مائة وأربعة كتب، لقول أبي ذر - رضي الله عنه - للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله كم كتاباً أنزله الله؟ قال: ((مائة كتاب وأربعة كتب، أُنزل على شيث خمسون صحيفة، وأُنزل على أخنوخ ثلاثون صحيفة، وأنزل على إبراهيم عشر صحائف، وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والقرآن)) وهو قطعة من حديث أخرجه أبو نعيم في الحلية (١/ ١٦٦ - ١٦٧)، وابن عدي في الكامل (٧/ ٢٤٤)، والطبري في تاريخه (١/ ٧٦)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٣٤١) إلى عبيد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر.
(٣) شرح الطحاوية (٢/ ٤٢٤ - ٤٢٥).
(٤) شرح العقيدة الطحاوية (٢/ ٤٢٤، ٤٢٥).

<<  <   >  >>