للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- ثانياً: بيان وجه رد الآية على بدعة الإفراط.

كما أن في هذه الآية رداً على الذين أفرطوا في توحيد الألوهية من الصوفية وغيرهم، الذين توهموا وجود إنسان يعبد الله مريداً الدار الآخرة وهو لا يريد الله! ! ، في قوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ}.

وقد ضلوا في هذا الفهم، فإن إرادة الآخرة عبارة عن إرادة الله تعالى وثوابه. فإرادة الثواب لا تنافي إرادة الله؛ لأن الله - عز وجل - لم يفرّق بين إرادة الآخرة وإرادته هو سبحانه تعالى حيث قال: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧)} الأنفال: ٦٧، قال ابن القيم - رحمه الله - عند قول الله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (١٩)} الإسراء: ١٩: أخبر الله - عز وجل - أن السعي المشكور: سعي من أراد الآخرة. وأصرح منها قوله: لخواص أوليائه - وهم أصحاب نبيه - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهم - في يوم أحد: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} آل عمران: ١٥٢، فقسمهم إلى هذين القسمين اللذين لا ثالث لهما.

إلا ما اعتقده أهل التصوف وهو وجود: من يريد من الله، ولا يريد الله. فهذا ناقص غاية النقص. وهو حال الجاهل بربه. لذلك كان اعتقادهم: أنهم يريدون الله، ولا يريدون منه. فيزعمون أنه مطلوبهم، وأن من لم يصل إليه ففي سيره علة، وأن العارف ينتهي إلى هذا المقام، وهو أن يكون الله مراده، ولا يريد منه شيئا، وهذا في التحقيق عين المحال الممتنع: عقلا وفطرة، وحسا وشرعا (١).

- ثالثاً: المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان.

المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان هو: خطؤهم في تصور العبادة المأمور بها، التي تقوم على أركان ثلاثة: الحب، والخوف، والرجاء (٢)، حيث افتعلوا بينهما


(١) ينظر: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (٢/ ٨١ - ٨٣)، ودراسات في التصوف، لإحسان إلهي ظهير (ص ٨٧).
(٢) ينظر: العبودية لابن تيمية (ص ٤٤)، ومدارج السالكين (٢/ ٣٦).

<<  <   >  >>