للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصلاً من عند الله، فهو كفر بأصل الإنزال. ومن جهة التأويل، وهذا ككفر النصارى الذين أقروا بالقرآن كتاباً منزلاً ولكنهم زعموا أنه خاص بالعرب ولا يجب عليهم اتباعه وهم مكتفون بكتابهم، فهؤلاء أثبتوا أصل الإنزال وكفروا من جهة التأويل (١).

[الثانية: الإيمان ببعض الكتاب الواحد والكفر ببعضه]

ومثال هذه الصورة فعل اليهود الذي ذكره الله في قوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥)} البقرة: ٨٤ - ٨٥، والشاهد في الآية قوله: " أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ " أي: تؤمنون ببعض كتابكم وتكفرون ببعضه، وبين وجه هذا الكفر من فعلهم وهو المذكور في الآية، وهو أنه كان حلفاء الخزرج من اليهود يقاتلون مع الخزرج حلفاء الأوس من اليهود أنفسهم في الحرب الدائرة بين الخزرج والأوس، فيقاتل اليهودي اليهودي، فيقتل اليهود بعضهم بعضاً ويخرجون بعضهم بعضاً من ديارهم، وهذا محرم عليهم في كتابهم، ثم إذا أسر يهودي من الفريقين كليهما جمعوا له الفدية يفدونه جميعاً؛ لأن هذا واجب عليهم فعملوا بهذا وتركوا ذاك (٢).

ومن صور الإيمان بالكتاب الواحد والكفر ببعضه، ما عليه الذين يسمون أنفسهم بـ"القرآنيين" الذين يقولون: القرآن يكفينا، وتركون العمل بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهؤلاء قد كفروا ببعض القرآن مع دعواهم الإيمان به وهو كفرهم بقول الله في القرآن: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} الحشر: ٧، وقد ورد الخبر عنهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا


(١) ينظر: الإيمان بالكتب، أ. د. محمد أبو سيف (ص ١٩ - ٢١).
(٢) ينظر: زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي (١/ ١١٠ - ١١١).

<<  <   >  >>