للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآية الثانية:

قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩)} الزخرف: ٥٩، هذه الآية تردُ على بدعتين متقابلتين، وبيان ذلك فيما يلي:

- أولاً: بيان وجه رد الآية على بدعة التفريط.

في هذه الآية الكريمة ردٌ على بطلان ما زعمه الجفاة "اليهود"، من نفي النبوة عن عيسى عليه السلام، فأتت هذه الآية للرد عليهم، في قوله: {أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ}، أي: بالنبوة.

كما أن في هذه الآية دليل على "أنه يجب الإيمان بجميع رسل الله تعالى وعدم التفرقة بينهم في الإيمان، وأن الإيمان ببعضهم والكفر ببعض كالكفر بهم كلهم؛ لأن إضافتهم إلى الله تعالى واحدة ... قال تعالى في خواتم سورة البقرة: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} البقرة: ٢٨٥، وبيَّن - عز وجل - في سورة النساء أن التفرقة بينهم في الإيمان هي الكفر حق الكفر، وأن الإيمان بالجميع بغير تفرقة هو الإيمان حق الإيمان (١) ... وقد انفرد بهذه الحقيقة العادلة المسلمون دون أهل الملل الوثنية من المجوس والهندوس، ودون أهل الكتاب الذين لا يؤمنون إلا بأنبياء بني إسرائيل ... " (٢).

- ثانياً: بيان وجه رد الآية على بدعة الإفراط.

كما أن فيها رداً لما زعمه النصارى من القول بأن المسيح - عليه السلام - إنسان كامل وإله كامل في نفس الوقت، ومنهم من يغلب جانب ألوهيته على بشريته "ناسوته"، ومنهم من يغلب جانب بشريته على جانب "لاهوته" ألوهيته، فأتت هذه الآية لدلالة على أن الله جعل غاية عيسى - عليه السلام - العبودية لا الإلهية، فقال سبحانه: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ} أي: عبد لله كسائر الخلْقِ وليس إلهاً كما يدَّعُون، أنعم الله عليه بالنبوة والرسالة {أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ}.


(١) قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (١٥١)} النساء: ١٥٠ - ١٥١.
(٢) الوحي المحمدي رشيد رضا (ص ٢٠٢ - ٢٠٣).

<<  <   >  >>