للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فانظر إلى كونه تعالى خلقهم عدولاً وخياراً؛ ليكونوا شهداء على بقية الأمم يوم القيامة وحينئذ فكيف يستشهد الله تعالى بغير عدول أو بمن ارتدوا بعد وفاة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - (١)، أو بمن ارتموا في أحضان أهل البدع.

ونجد أن في وصف الشهادة التي جعلها الله لهذه الأمة، في قوله - عز وجل -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} البقرة: ١٤٣، بمعنى: الاستغناء عما ابتدعه المبتدعون، من الحجج الفاسدة، التي يزعمون أنهم ينصرون بها أصل الدين، ومن الرأي الفاسد الذي يزعمون أنهم يتمون به فروع الدين، وما كان من الحجج صحيحاً ومن الرأي سديداً، فذلك له أصل في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فهمه من فهمه، وحرمه من حرمه (٢).

الثاني عشر: أن طلب الاستقامة من الله وأنه هو الموفق لها.

قال القرطبي - رحمه الله -: " قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولغيره. وقيل: له والمراد أمته، قاله السدي. وقيل: "استقم" اطلب الإقامة على الدين من الله واسأله ذلك ... والاستقامة الاستمرار في جهة واحدة من غير أخذ في جهة اليمين والشمال، فاستقم على امتثال أمر الله.

وفي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي (٣) قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا بعدك! قال: ((قل آمنت بالله ثم استقم)) (٤).

وبهذا الاستعراض الموجز يتضح أن لآيات الوسطية معاني متعددة، مررنا على بعض منها، ومن أفاض الله عليه حسن التدبر، ستظهر له أضعاف هذه المعاني.


(١) ينظر: الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة (٢/ ٦٠٤).
(٢) تهذيب اقتضاء الصراط المستقيم (ص: ١٣٩).
(٣) هو: سفيان بن عبد الله بن أبي ربيعة بن الحارث بن مالك بن حطيط بن جشم الثقفي (الطائفي). له صحبة، ورواية، وكان عاملا لعمر بن الخطاب، واستعمله عمر، وأرضاه على صدقات الطائف وقيل انه قد ولي الطائف، ولقد روى خمسة أحاديث.
ينظر: تهذيب التهذيب (٤/ ١١٥)، ومسند احمد (٣/ ٤١٣)، الإصابة في تمييز الصحابة (٤/ ٧٩).
(٤) رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب جامع أوصاف الإسلام برقم (٣٨).

<<  <   >  >>