للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المعلم الثاني: الجمع بين صحة النقل وصراحة العقل]

إن العلاقة بين العقل والنقل ذات أهمية كبرى فهي من معالم الوسطية، ومن منهج أهل السنة والجماعة عموماً وفي قواعد استدلالهم خصوصاً؛ ذلك أن العقل تابع للنقل عندهم،

وآلة لفهمه، ولا يمكن أن يعارضه فضلاً أن يكون مقدماً عليه وحاكماً؛ ولأن ذلك هو مقتضى الإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والتسليم لخبره بغير قيد أو شرط، فهو أيضاً مقتضى ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، فأهل السنة من جهة مصدر التلقي اعتمدوا الكتاب والسنة، ومن جهة الفهم التزموا فهم الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- (١).

وليس ثمة عقيدة تقوم على احترام العقل الإنساني، وتكريمه والاعتزاز به، والاعتماد عليه في فهم النصوص، كالعقيدة الإسلامية؛ إلا أن هذه العقول تتفاوت (٢)، وهذا يدل على أن لكل واحد منها حداً وغاية في إدراك الأشياء ينتهي إليه، ولا يتعداه، فالعقل لا يدرك كل ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو خبر عنه، فمداركه ليست شاملة (٣).

من أجل ذا قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -: "ليس في السنة قياس، ولا يضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول" (٤).

قال ابن تيمية - رحمه الله -، معلقاً على قول الإمام أحمد - رحمه الله -: " هذا قوله، وقول سائر أئمة المسلمين؛ فإنهم متفقون على أن ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا تُدركه كل الناس بعقولهم، ولو أدركوه بعقولهم لاستغنوا عن الرسول" (٥)، قال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} الإسراء: ١٥.

وعلى كل حال فإن منهج الوسط يقوم على التوافق بين الأدلة الصحيحة أياً كان مصدرها وامتناع التعارض بينها في نفس الأمر، ويرجع منهجهم في ذلك إلى أمور:


(١) ينظر: الدليل العقلي عند السلف، لعبد الرحمن بن سعد الشهري (٦ - ٨).
(٢) قال شيخ الإسلام رحمه الله: " الصحيح الذي عليه جماهير أهل السنة وهو ظاهر مذهب أحمد وأصح الروايتين عنه، وقول أكثر أصحابه، أن العلم والعقل ونحوهما يقبل الزيادة والنقصان". مجموع الفتاوى (١/ ٧٢١ - ٧٢٢).
(٣) ينظر: العقل تعريفه، منزلته، مجالاته، ومداركه، أ. د. عبد القادر بن محمد عطا صوفي، مجلة البحوث الإسلامية: العدد (٧٩)، (ص ٣٦٠ - ٣٦٨).
(٤) شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (١/ ١٥٦).
(٥) درء تعارض العقل والنقل، (٥/ ٢٩٧).

<<  <   >  >>