للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالقبور والأضرحة فما ذاك إلا للجمع بين المتناقضات والمتضادات، التي وقعوا فيها لابتعادهم عن المنهج السوي والنور القوي قال تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} مريم: ٧٥ (١).

والحقيقة أن الذي وقع فيه أهل الحلول والاتحاد وأصحاب القول بوحدة الوجود، هو الجمع بين، التعطيل المحض، وتشبيه الخالق بالمخلوق.

وقد بين شيخ الإسلام - رحمه الله - أن هناك من وقع في نوعي التمثيل (٢)، فقال: "إن الجهمية النفاة يشبهون الخالق تعالى بالمخلوق في صفات النقص، كما ذكر الله تعالى عن اليهود أنهم وصفوه بالنقائص وكذلك الجهمية النفاة إذ قالوا: هو في نفسه لا يتكلم ولا يحب ونحو ذلك من نفيهم. والحلولية يشبهون المخلوق بالخالق، فيصفونه بصفات الكمال التي لا تصلح إلا لله، كما فعلت النصارى في المسيح، ومن جمع بين النفي والحلول، كحلولية الجهمية ... فهم يصفون المخلوق بكل ما يوصف به الخالق، ويصفون الخالق بكل ما يوصف به المخلوق، فإن الوحدة والاتحاد والحلول العام يقتضي ذلك" (٣).

- ثانياً: القياس الفاسد في العقليات، والتأويل الفاسد في السمعيات:

سبق بيان أن المعطلة طلبوا تنزيه الله فردوا النصوص أو حرفوها، وعبدوا إلها لا يعرفون له صفة إلا أنه حي موجود، اعتماداً على مقررات عقولهم ومناطقهم، وهي لا تنفرد بتقرير المغيبات؛ إذ المعول فيها على السمعيات من الكتاب والسنة.

وقدموا المنهج العقلي على الأحكام الشرعية، فعملوا ما هو عندهم حسناً، وتركوا ما اعتقدوه قبيحاً، ولو كان ثابتاً العمل به عند المسلمين من أصل شرعهم، فارتكبوا المحرمات، وعللوا فعلهم لها بالتأويل والمجاز.

أما المشبهة فقد وصفوا الله تعالى بصفات النقص والتشبيه والتمثيل، فعبدوا ربا كالبشر في حقيقته، فهو محتاج لمخلوقاته كالعرش والسرير الذي يجلس عليه المخلوق، والجمل الذي يركبه يوم عرفة تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.


(١) ينظر: تناقض أهل الأهواء والبدع في العقيدة د. عفاف بنت حسن بن محمد مختار (١/ ٢٧١ - ٣٧٣).
(٢) تمثيل الخالق بالمخلوق، وتمثيل المخلوق بالخالق.
(٣) درء التعارض (٧/ ٢٦٠ - ٢٦١).

<<  <   >  >>