للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه القدرة هي "قدرة الأسباب والشروط وسلامة الآلة، وهي مناط التكليف، وهي متقدمة على الفعل، غير موجبة له" (١)، وتأثير هذه القدرة في مقدورها كتأثير سائر الأسباب في مسبباتها (٢).

ومن المعلوم أن السبب لا يستقل بالمسبب، بل يفتقر إلى ما يعاونه، وكذلك قدرة العبد لا تستقل بالمقدور؛ بل لا بد من إعانة الله وتيسيره.

والسبب له ما يمنعه ويعوقه، وكذلك قدرة العبد لها ما يعوقها؛ والله خالق السبب وما يعينه، وصرف عنه ما يعوقه (٣).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " الذي عليه السلف وأتباعهم وأئمة أهل السنة وجمهور أهل الإسلام المثبتون للقدر، المخالفون للمعتزلة، إثبات الأسباب، وأن قدرة العبد مع فعله لها تأثير كتأثير سائر الأسباب في مسبباتها، والله تعالى خلق الأسباب والمسببات، والأسباب ليست مستقلة بالمسببات، بل لا بد لها من أسباب أخر تعاونها، ولها مع ذلك أضداد تمانعها، والمسبب لا يكون حتى يخلق الله جميع أسبابه، ويدفع عنه أضداده المعارضة له، وهو سبحانه يخلق جميع ذلك بمشيئته وقدرته، كما يخلق سائر المخلوقات" (٤).

الأمر الثالث: أن للعبد مشيئة واختياراً وإرادة جعلها الله فيه، قال سبحانه: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (١٩)} المزمل: ١٩، وقال: {فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا} البقرة: ٥٨.

وغير ذلك من الآيات الكثيرة التي يسند الله فيها المشيئة والأعمال للعباد فأثبت لهم مشيئة وقدرة على أفعالهم، ولكنها مشيئة وقدرة تابعة لمشيئة الله غير مستقلة، فالله سبحانه "لا يعبد إلا بإعانته، ولا يطاع إلا بمشيئته" (٥) كما قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (٢٩) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠)} الإنسان: ٢٩ - ٣٠.


(١) شفاء العليل (١/ ٣٢٠).
(٢) الشأن في خلق المسببات بالأسباب، حيث خلق الله - عز وجل - النبات بالماء، وخلق الغيث بالسحاب، ونحو ذلك. ينظر مجموع الفتاوى (٨/ ٣٨٩).
(٣) ينظر: منهاج السنة (٣/ ١١٤ - ١١٥)، وشفاء العليل (١/ ١٩٧).
(٤) مجموع الفتاوى (٨/ ٤٨٧).
(٥) إغاثة اللهفان (٢/ ١٥٦).

<<  <   >  >>