للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والبصريون منهم البغداديين؟ ويكفر أصحاب أبي علي الجبائي (١) ابنه أبا هاشم، وأصحاب أبي هاشم (٢) يكفرون أباه أبا عليا؟ كذلك سائر رؤوسهم وأرباب المقالات منهم، إذا تدبرت أقوالهم رأيتهم متفرقين، يكفر بعضهم بعضاً، ويتبرأ بعضهم من بعض، وكذلك الخوارج والروافض فيما بينهم، وسائر المبتدعة بمثابتهم (٣)، وهل على الباطل دليل أظهر من هذا؟ قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ} الأنعام: ١٥٩" (٤).

[٤ - الاستمرار في البدع وعدم الرجوع عنها]

ومن آثار البدع المتقابلة: أن صاحب البدعة إذا أصيب بمرضها، لا يرجع عن بدعته، بل يستمر فيها، مبعدة إياه عن طريق الحق، حتى يصعب عليه الرجوع والتوبة، إلا من رحم الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ من ضِئضِئِ هذا قومًا يَقرَؤونَ القرآنَ، لا يُجاوزُ حَناجِرَهم، يَمرُقونَ منَ الإسلامِ مُروقَ السهمِ منَ الرَّمِيَّةِ، يَقتُلونَ أهلَ الإسلامِ ويَدَعونَ أهلَ الأوثانِ، لئنْ أدرَكتُهم لأُقَتِّلَنَّهم قتلَ عادٍ)) (٥). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله احتجز التوبة عن كل صاحب بدعة)) (٦)، أي: لا يوفقون لها (٧).

فصاحب البدعة لا يتوب عن بدعته، وإن خرج عنها فإنه يخرج إلى ما هو شر منها، أو يُظهرُ الخروج عنها ويصر عليها باطناً.


(١) هو: أبو علي محمد بن عبد الوهاب والبصري، إمام في الكلام، أخذ الاعتزال عن شيخه أبي يعقوب الشحام، من تلاميذه: أبو الحسن الأشعري، من مصنفاته: الأصول، النقض على ابن الراوندي، والأسماء والصفات، توفي بالبصرة (٣٠٣ هـ). ينظر: السير للذهبي (١٤/ ١٨٣)، طبقات المعتزلة لابن المرتضى (ص ٨٠)، شذرات الذهب (٢/ ٢٤١).
(٢) هو: أبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي المعتزلي البصري، إمام في الكلام، أخذ الاعتزال عن والده أبو علي الجبائي، من مصنفاته: الجامع الكبير، العرض، المسائل العسكرية، توفي (٣٢١ هـ)، ينظر: السير للذهبي (١٥/ ٦٣)، طبقات المعتزلة لابن المرتضى (٩٤ - ٩٦)، شذرات الذهب (٢/ ٢٨٩).
(٣) ينظر: دلائل ذلك في كتب المقالات، مثل مقالات الإسلاميين (١/ ١٦٩ - ١٧٠)، والفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي (٢٠ - ٢٢)، والملل والنحل للشهرستاني (١٢١ - ١٢٢).
(٤) الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة، لأبي القاسم الأصبهاني (٢/ ٢٢٥ - ٢٢٦).
(٥) أخرجه البخاري، حديث رقم (٧٤٣٢). وحديث المارقين عن الدين متفق على صحته.
(٦) أورده السيوطي في الجامع الصغير برقم (١٦٦٣)، وقال حديث صحيح، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (١٦٢٠).
(٧) وهذا الحكم بعدم توبة أهل البدع للغالب الأعظم من أهل البدع لا أنه شامل لكل أفرادهم، وبهذا يندفع ما قد يتوهم من تعارض بين ما دلت عليه النصوص وكلام السلف في المسألة من أن أهل البدع لا يوفقون للتوبة وما يشهد به الواقع، من ثبوت رجوع بعضهم وتوبتهم من البدع.
ينظر: موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع (١/ ٣٢٤).

<<  <   >  >>