للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال كذلك - رحمه الله -: " وذلك لأن أصل الإيمان هو ما في القلب، والأعمال الظاهرة لازمة لذلك، لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح، بل متى نقصت الأعمال الظاهرة كان لنقص الإيمان الذى في القلب، فصار الإيمان متناولاً للملزوم واللازم وإن كان أصله ما في القلب " (١).

وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -: "يؤخذ من هذه الآية الكريمة - {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} آل عمران: ٣١ - : أن علامة المحبة الصادقة لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - هي اتباعه - صلى الله عليه وسلم -، فالذي يخالفه ويدعي أنه يحبه فهو كاذب مفتر؛ إذ لو كان محباً له لأطاعه، ومن المعلوم عند العامة أن المحبة تستجلب الطاعة" (٢).

ومن الأمثلة على ذلك، قوله - عز وجل -: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (٨١)} المائدة: ٨١، فالإيمان في الباطن يستلزم عداوة الكافرين وترك موالاتهم في الظاهر.

وقال تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} آل عمران: ١٥٢، فلما اختلفت نياتهم الباطنة، تباينت أعمالهم الظاهرة.

فتجمع الوسطية بين الاهتمام بأعمال الجوارح وأعمال القلوب، أو ما يعرف بفقه الظاهر وفقه الباطن.

"وجملة القول: أن التلازم بين الظاهر والباطن فرقان بين أهل السنة والمرجئة في باب الإيمان، وأن من عرف هذا التلازم زالت عنه شبهات كثيرة" (٣).

[المعلم الرابع: التوازن في الجمع بين عمارة الحياة والسمو الروحي]

في الوسطية خلاص من منزلق الإفراط وهاوية التفريط؛ لأنها دلالةٌ على طابع التوازن والتكامل والانسجام، الذي نستقيه من فهم الإسلام واستلهام توجيهاته.

لذا فإننا نجد أن من أبرز معالمها، التوازن بين العمل للآخرة والعمل للدنيا فتكون الدنيا مزرعة الآخرة، أو بعبارة أخرى التوازن بين الاستجابة لحاجات الإنسان المادية والروحية.


(١) مجموع الفتاوى (٧/ ١٩٨).
(٢) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (١/ ١٩٩).
(٣) مجموع الفتاوى (٧/ ٦٤٥).

<<  <   >  >>