للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- ثانياً: بيان وجه رد الآية على بدعة الإفراط.

كما أن فيها رداً على بطلان مذاهب ممثلة الصفات، كالغلاة الصوفية والرافضة وغيرهم، ممن بالغوا في إثبات الصفات حتى أشركوا في كمالها المقدس غير الله فزعموا أن أئمتهم وسادتهم يعلمون الغيب وغير ذلك من صفات الربوبية، فسووا الخالق بالمخلوق على وجه المماثلة، فرد الله عليهم بقوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ}، ونفى عن غيره علم الغيب، وأنه سبحانه المتفرد بذلك.

- ثالثاً: المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان.

المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان هو: خطؤهم في باب القدر؛ لأنهم أرادوا أن ينزهوا الله بعقولهم، ولم ينزهوه كما نزه نفسه.

فسلك المعطلة منهم إلى جعل الله تعالى معزولاً عن تدبير الكون وتصريفه حتى لا يشغل نفسه بهذا الناقص؛ وذلك لأن الجزئيات تحتوي على بلاء وشر؛ كالقتل والنهب وغيرها، فيقولون: لو قلنا: إن الله يعلمها، لما نزهنا الله! وهذا من الجهل بالله - عز وجل -، فإنهم أرادوا أن ينزهوا الله بعقولهم، ولم ينزهوه كما نزه نفسه.

فقالوا: إن الله تعالى لا يعلم الجزئيات، وذلك حتى لا يعلم الشر؛ لأنه لو علم بالشر فسيكون قد قدره، والشر والقبيح موجود في العالم، إذاً لا بد أن ننزه الله عنه، وبذلك وصفوا الله تعالى بالجهل حتى ينزهوه! (١).

أما المشبهة فقد أوقعهم مذهبهم الفاسد في باب القدر في التشبيه المذموم، إذ شبهوا الله - عز وجل - بخلقه فيما يتعلق بأفعاله - عز وجل -، ولهذا اعتبرهم السلف الصالح بمشبهة الأفعال (٢).

فقاسوا الرب - عز وجل - على خلقه، فقيل: ما حسن من المخلوق حسن من الخالق وما قبح من المخلوق قبح من الخالق، مما ترتب على ذلك أن قاسوا الظلم الذي حرمه الله - عز وجل - وتنزه عن فعله وإرادته بأنه هو نظير الظلم من الآدميين بعضهم لبعض (٣)، وتشبيه الخالق بالمخلوق


(١) ينظر: العقيدة الطحاوية (٢/ ٤٠٢).
(٢) شبهوا الله - عز وجل - في الأفعال ما يحسن منهما وما لا يحسن بعباده فضربوا له من قبل أنفسهم الأمثال وصاروا بذلك مشبهة ممثلة في الأفعال فامتنعوا من إثبات المثل الأعلى الذي أثبته لنفسه ثم ضربوا له الأمثال ومثلوه في أفعاله بخلقه.
ينظر: مفتاح دار السعادة (٢/ ١٠٦).
(٣) ينظر: مفتاح دار السعادة (٢/ ١٠٦).

<<  <   >  >>