للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النور، هل يستويان مثلاً! ! مسافة هائلة! ونقلة عظمية لا يعرف عظمتها، ويدرك مقدارها إلا من تفرَّس في حالهم في ضوء هذا البيان القرآني المعجز" (١).

المتأمل يجد أن النصوص الشرعية تضافرت على الأمر بالاعتصام بالكتاب والسنة واتباع السلف الصالح (٢) وذم من حاد عن منهج الوسطية، من أهل البدع المتقابلة.

فاجتمع لنا من الأدلة ما ينهض بحقيقة الوسطية واطراح ما عداها؛ والآيات التالية سيقت على سبيل المثال لا الحصر:

الآية الأولى: قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} الشورى: ١١.

لا تكاد تجد آية من الآيات المشتملة على ما يتوهم منه صفة المخلوقين إلا وهي مقرونة بما يشعر بالتنزيه أو تفسير المراد به إما متقدماً أو متأخراً (٣)، كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} الشورى: ١١. فنفى المثل وأثبت الوصف (٤)،

وهذه الآية أساس واضح في إثبات الصفات لله، ففي قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ (٥) شَيْءٌ} رد


(١) الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين وآثارهما في حياة الأمة، لعلي بن بخيت الزهراني، (ص ٢٥ - ٢٦).
(٢) نوه الكتاب العزيز بفضلهم ونص على أن لهم اليد الطولى في الفضل والعلم والعمل الجاد الخالص، قال تعالى: مشيدا بفضلهم وآمرا باتباعهم {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} التوبة: ١٠٠.
ينظر: البدع وأثرها في انحراف التصور الإسلامي، صالح سعد السحيمي، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (عدد ٤٩/ ص ٦٠).
(٣) إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل، لمحمد بن إبراهيم الكناني (ت ٧٣٣ هـ) (ص ٩٥).
(٤) قال العلماء: قدم النفي قبل الإثبات على القاعدة العربية المعروفة أن التخلية تسبق التحلية، فيجب أن يخلو القلب من كل براثن التمثيل ومن كل ما كان يعتقده المشركون الجاهلون من تشبيه الله بخلقه، أو تشبيه خلق الله به، فإذا خلا القلب من كل ذلك، وبرئ من التشبيه والتمثيل، أثبت ما يستحقه الله -جلا وعلا - من الصفات، فأثبت هنا صفتين وهما السمع والبصر.

ينظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد (ص ٤٣٥).
(٥) اختلف في إعراب الكاف في قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} على وجوه ذكرها شارح الطحاوية (ص ٧٨، ٧٩)، وتعرض لذلك الدكتور عبد الله دراز، ورجح أن الكاف أصلية وليست زائدة، ووجودها ضروري وهادف من طريقين:
الطريق الأول: أن في وجود الكاف نفي المماثلة وما يشبهها أو يدنو منها.
الطريق الثاني: أنها نفت التشبيه وأقامت البرهان على نفيه، كأن الآية قالت: مثله تعالى لا يكون له مثل، تعني أن من كانت له تلك الصفات الحسنى وذلك المثل الأعلى لا يمكن أن يكون له شبيه، ولا يتسع الوجود لاثنين من جنسه.
التعبير بالمثلية مبالغة في الإثبات أو النفي؛ فإن العرب -والقرآن عربي- كانوا إذا بالغوا في نفي المثلية قالوا: مثلك لا يفعل كذا، ومرادهم نفي الفعل عنه، لا عن مثله، ولكن إذا نفوه عمن هو على أخص أوصافه، فقد نفوه عنه بالأولى.
ينظر: تحقيق عبد الله شاكر محمد الجنيدي، على كتاب رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب (ص ١١٩)، ومصرع التصوف، لإبراهيم البقاعي، تحقيق: عبد الرحمن الوكيل (ص ٩٨)، وكتابه النبأ العظيم (ص ١٣٢ - ١٣٦).

<<  <   >  >>