للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسلمين إلى وقتنا هذا، بل في وقتنا هذا اشتدّ فيه الأمر، والسبب في هذا هو اختلاف المسلمين فيما بينهم (١).

وقد أشار شيخ الإسلام - رحمه الله - إلى تسلط الأعداء على أهل البدع: " صالت الدهرية على أهل الكلام الذين سلكوا هذه السبيل؛ فإنهم لما رأوا فساد هذا القول في صريح المعقول، وظنوا أن هذا قول الرسل وأتباعهم، اعتقدوا أن الرسل -صلوات الله عليهم-، أخبرت بما يخالف صريح المعقول، ثم من أحسن الظن بهم قال: فعلوا ذلك لمصلحة الجمهور؛ إذ لم يمكن مخاطبتهم بالحق المحض، فكذبوا لمصلحة الجمهور! فساء ظن هؤلاء بما جاءت به الأنبياء، وامتنع أن يستدلوا به على علم، وأولئك المتكلمون بجهلهم قصدوا إقامة الدليل على تصديق الأنبياء، ونصر ما جاءوا به، فلما نقص علمهم بالسمعيات والعقليات، أدى ما فعلوه إلى تكذيب الرسل والطعن فيما جاءوا به! " (٢).

٤ - الانتقال من شر إلى ما هو أشر منه (٣):

كثيراً ما يتحول أهل البدع من مذهب إلى نقيضه؛ إلا أنهم لا يوفقون للسنة، ولا يهتدون لها، ولا يتحولون إليها -عدا أفراد قليلين (٤) -، فلا يعرف في التاريخ أن فرقة تركت بدعها إلى السنة، بل تتحول إلى ما هو أسوأ كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عنهم: ((تتجارى بهم الأهواء،


(١) ينظر: إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد، للشيخ صالح الفوزان (١/ ٣٣٣ - ٣٣٥).
(٢) درء التعارض: (٨/ ٩٧ - ٩٨)، وينظر: دعاوى الإجماع عند المتكلمين في أصول الدين (ص ٢٨٩ - ٢٩٢).
(٣) إذا مثلنا بالغرب فإنهم في معالجتهم أدوائهم وإصلاحهم لشؤونهم كمعالج الداء بالداء وناقش الشوكة بالشوكة. إنهم حاربوا الرأسمالية فنجمت الشيوعية، إنهم حاولوا أن يستأصلوا الديمقراطية فنبعت الدكتاتورية، أرادوا أن يحلوا مشاكل كل المجتمع فنبتت حركة تذكير النساء (Feminism) وحركة منع الولادة، أرادوا أن يشترعوا قوانين لاستئصال المفاسد الخلقية، فاشرأبت حركة العصيان والجناية، فلا ينتهي شر إلا إلى شر، ولا فساد إلا إلى فساد أكبر منه، ولا تزال هذه الشجرة تثمر لهم شرورا ومصائب، حتى صارت الحياة الغربية جسدا مقروحا، يشكو كل جزء منه أوجاعا وآلاما، قلوبهم مضطربة وأرواحها متعطشة إلى ماء الحياة ولكنها لا تعلم أين معين الحياة .. إنه فيما شرعه الله وارتضاه. ينظر: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ ! لأبي الحسن على الحسني الندوي (ص ٢٣٩).
(٤) أمثال أبي حسن الأشعري وغيره.

<<  <   >  >>