للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لذلك فقد أنكر السلف التوليدات الحادثة عند الفرق حول هذا المسألة، وأجازوا الرد عليهم باصطلاحاتهم من باب الضرورة وإقامة الحجة، كما أنكروا ضرب النصوص بعضها ببعض (١)

كما فعل المعتزلة والجبرية ومن وافقهم، وقالوا: بأن الواجب في القدر هو الإمساك عن الكلام والجدل حوله، ورأوا أن الغوص في الكلام على القدر ذريعة الخذلان والحرمان، لا سيما إذا كان من باب التنازع والتخاصم وتحكيم الأهواء ومقاييس البشر (٢).

قال ابن أبي العز - رحمه الله -: " وأكبر المسائل التي وقع فيها الخلاف بين الأمة مسألة القدر، وقد اتسع الكلام فيها غاية الاتساع" (٣).

ولهذا كان الأسعد بالدليل والأوفق للحكمة والتعليل أهل السنة والجماعة الطائفة الوسط المقتصدة في اعتقادها، الذين جمعوا بين الأدلة، وسلكوا في طريقهم خير مسلك، فآمنوا بقضاء الله وقدره في مراتبه الأربع، وآمنوا بأن للعبد اختياراً وقدرة (٤)، ولم يقفوا عند هذا الحد؛ بل تصدى علماء السنة للبدع المتقابلة في باب القدر، وبينوا عوارها، ودحضوا باطلها، وأظهروا الحق، ونشروه.

ويمكن إجمال أسباب انحراف الفرق في الإيمان بالقضاء والقدر إلى الأسباب التالية:

١ - الجهل بحكمة الله فيما يخلق ويقدر: معلوم أن حكمة الله - عز وجل - في خلقه منها ما هو مدلل عليه، ومنها ما ليس بمعروف، ولذلك إذا جهلت الحكمة، فإن المرء يُسَلم، ولا يعترض، لكن المبتدعة لم يعرفوا حكمة الله - عز وجل - في الأشياء،


(١) ضرب كتاب الله بعضه ببعض: بأن ينزع المثبت للقدر بآية، والنافي له بأخرى، ويقع التجادل في ذلك. وهذا قد روي أنه وقع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - غضب من ذلك ونهى عنه، وهذا من جملة الاختلاف في القرآن، والمراء فيه وقد نهي عن ذلك.

ينظر: فضل علم السلف على علم الخلف لابن رجب (ص ١٣٦ - ١٣٨).
(٢) ينظر: القدر في ضوء الكتاب والسنة، د. عبدالرحمن المحمود (١٧ - ١٩)، وشرح الطحاوية (١/ ٣٢٠).
(٣) شرح الطحاوية (١/ ٣٤٠).
(٤) القصد والوسطية في ضوء السنة النبوية (ص ٣٧٢).

<<  <   >  >>