للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني الآيات الرادة على البدع المتقابلة في مسائل الإيمان.]

[المطلب الأول: دراسة تحليلية لبعض الآيات الرادة على البدع المتقابلة المتعلقة بمسائل الإيمان.]

في أسماء الإيمان والدين وأحكام أهلها من الوعد والوعيد؛ يقف أهل السنة والجماعة موقفا وسطاً حيث يؤمنون أن أهل الكبائر من المسلمين معهم بعض الإيمان وأصله، وليس معهم جميع الإيمان الواجب الكامل الذي يستوجبون به الجنة، وأنهم لا يخلدون في النار، بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ادّخر شفاعته لأهل الكبائر من أمته، وبذلك يتوسطون بين الوعد والوعيد, ويؤمنون بالآيات كلها في هذا وذاك.

قال الإمام النووي (١) - رحمه الله -: " واعلم أن مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من السلف والخلف، أن من مات موحداً دخل الجنة قطعاً على كل حال ... وأنه لا يخلد في النار أحد مات على التوحيد، ولو عمل من المعاصي ما عمل، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل. هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة، وقد تظاهرت أدلة أهل الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به من الأمة على هذه القاعدة وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعي" (٢).

فهم -إذن- وسط بين الوعيدية، الذين غلّبوا آيات الوعيد والتخويف, فحكموا على مرتكب الكبيرة بالخروج من الإيمان بالكلية كالخوارج، أو بالخروج من الإيمان وعدم الدخول في الكفر كالمعتزلة القائلين بأنه في منزلة بين المنزلتين، ويكذبون بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبين المرجئة الذين يرون أن مرتكب الكبيرة غير فاسق، وأنه لا يضر مع الإيمان أي ذنب، فهو مؤمن كامل الإيمان، وأن الأعمال الصالحة ليست من الدين، ويكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية تغليبا لجانب الوعد وآياته، فكل من هذين الفريقين يؤمن بجانب ويهمل الآخر، لذا تعددت طرق القرآن العظيم


(١) هو: يحيى بن شرف بن مُري بن حسن بن حسين الحزامي النووي، أبو زكريا، المشهور بالنووي، أحد أعلام الشافعية، من مؤلفاته: المجموع شرح المهذب، شرح صحيح مسلم، رياض الصالحين، توفي سنة ٦٧٦ هـ.
ينظر: تذكرة الحفاظ للذهبي (٤/ ١٤٧٠)، طبقات الشافعية الكبرى (٥/ ١٦٥)، الأعلام (٨/ ١٤٩).
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (١/ ٢١٧).

<<  <   >  >>