للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السدي" (١). قال ابن عباس - رضي الله عنه -: ((ما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آية هي أشد ولا أشق من هذه الآية عليه) ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له: لقد أسرع إليك الشيب! فقال: ((شيبتني هود وأخواتها)) (٢).

قال أبو حامد الغزالي - رحمه الله - (٣):

" ((شيبتني هود وأخواتها)) أراد به - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ}، فإن الامتداد على الصراط المستقيم في طلب الوسط بين هذه الأطراف شديد، وهو أدق من الشعرة وأحد من السيف (٤)، كما وصف من حال الصراط في الدار الآخرة ومن استقام على الصراط في الدنيا استقام عليه في الآخرة، بل يكون في الآخرة مستقيماً، إذ يموت المرء على ما عاش عليه، ويحشر على ما مات عليه، ولذلك يجب في كل ركعة من الصلاة سورة الفاتحة، المشتملة على قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، فإنه أعز الأمور وأعصاها على الطالب، ولو كلف ذلك في خُلُقٍ واحد لطال العناء فيه، فكيف وقد كلفنا ذلك في جميع الأخلاق، مع خروجها عن الحصر، ولا مخلص عن هذه المخاطرات إلا بتوفيق الله ورحمته" (٥).

الآية الثانية: قال تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} النساء: ١٧١، المائدة: ٧٧.

تتضمن هذه الآية النهي عن الغلو والتزام الوسطية. ووجه الاستدلال من الآية أنه قال سبحانه: {لَا تَغْلُوا}، و (تَغْلُوا) فعل جاء في سياق النهي فهو يعم جميع أنواع الغلو


(١) الجامع لأحكام القرآن (٩/ ١٠٧).
(٢) أخرجه الترمذي في سننه في كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الواقعة برقم (٣٢٩٧)، قال الهيثمي (٧/ ٣٧): " ورجاله رجال الصحيح "، وقال الألباني: إسناده صحيح لولا أنه مرسل. سلسلة الأحاديث الصحيحة (٢/ ٦٤١).
(٣) هو: محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، الشافعي، المشهور بأبي حامد الغزالي، من كبار الأشاعرة وأئمتهم، من مؤلفاته: إحياء علوم الدين، الاقتصاد في الاعتقاد، ميزان العلم، توفي سنة (٥٠٥ هـ).

ينظر: سير أعلام النبلاء (١٩/ ٣٢٢)، شذرات الذهب (٤/ ١٠).
(٤) قال مسلم: وزاد أبو سعيد: "بلغني أن الجسرَ أدقُّ من الشعرة، وأحدُّ من السيف"، أخرجه في صحيحه في كتاب الإيمان، باب: معرفة طريق الرؤية (١/ ١٦٧)، عقب روايته لحديث أبي سعيد الخدري "١٨٣"، ويراجع تعليق الحافظ ابن حجر في الفتح "٤٥٤/ ١١" على هذا البلاغ في بحث جيد.
(٥) معارج القدس في مدارج معرفة النفس، للغزالي (ص ٨٨).

<<  <   >  >>