للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد فرع الله - عز وجل - على ذلك وجوب عبادته بقوله تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ}؛ لأن كل من أقر بالربوبية، لزمه الإقرار بالعبودية -الألوهية-، والتوجه له في السراء والضراء، وإخلاص العبادة، وإلا صار متناقضاً (١).

- ثانياً: بيان وجه رد الآية على بدعة الإفراط.

في هذه الآية (٢) رد على من جعلوا الله رباً، ولكن جعلوا معه شريكاً في الربوبية، وهم طوائف من الملل المختلفة، فرد عليهم - عز وجل - بقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} لينفي عن نفسه سبحانه السمي: وهو النظير والمثيل. والمعنى: لا أحد يساميه في العلو والعظمة والكمال على التحقيق؛ أي: يشابهه، كما أثر عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وابن جريج وغيرهم (٣).

وفي هذا تنزيه لله تعالى، ودليل على عظمته سبحانه وجلاله؛ فإن نفي الكفء والند والسمي وما في معناها يستلزم ثبوت توحيد الربوبية مع جميع صفات الكمال المطلق على وجه التفرد، وفي هذا رد لمن جعل لله شريكاً في ربوبيته. يقول ابن القيم - رحمه الله -: "نفي الكفء والسمي والمثل عنه كمال؛ لأنه يستلزم ثبوت جميع صفات الكمال له على أكمل الوجوه، واستحالة وجود مشارك له فيها" (٤)، فلا ربوبية لغيره، ولا شريك معه في هذا الكون الكبير، فلا أحد يدعي أنه يملك خلقه وتدبيره، ومن لا يصلح أن يكون ربا، لا يستحق أن يكون إلها! ، ومنهج القرآن مطرد، في تقرير توحيد الإلهية بعد تقرير توحيد الربوبية، لذا نجد أن جملة {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} واقعة موقع التعليل للأمر بعبادته والاصطبار عليها (٥).

- ثالثاً: المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان.

المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان كان مأخذاً عقلياً استولد لوازم متناقضة التزمت كل فرقة هذه اللوازم، واستدل لها أصحابها بشبهات مركبة من دلائل عقلية ونقلية،


(١) ينظر: شرح العقيدة الواسطية للعثيمين (١/ ٣٥١).
(٢) اجتمعت في هذه الآية أقسام التوحيد الثلاثة، وهي رد على من أنكر هذا التقسيم من أهل البدع.
(٣) ينظر: تفسير ابن كثير (٣/ ١٣١).
(٤) الصواعق المرسلة (٤/ ١٣٦٩).
(٥) التحرير والتنوير (١٦/ ١٤٣).

<<  <   >  >>