للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآية الثانية:

قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦)} التحريم: ٦، هذه الآية وإن كانت صريحة الدلالة على المطلوب، إلا أنها تردُ على بدعتين متقابلتين، وبيان ذلك فيما يلي:

- أولاً: بيان وجه رد الآية على بدعة التفريط.

في هذه الآية الكريمة ردٌ على الجفاة الذين زعموا أن الملائكة إناثٌ (١)، وقد أخبر الله تعالى أن الإناث جُبلنَ على الضعف، والرقة (٢)؛ وفي هذه الآية أخبر سبحانه عن الملائكة أنهم موصوفون بالقوة، والشدة، وضخامة الخلق: {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ}، لتبين أن هناك فرقاً بين خلقة الإناث، وخلقة الملائكة، فكان في هذا التناسب بيانٌ لضعف قولهم والرد عليهم (٣).

- ثانياً: بيان وجه رد الآية على بدعة الإفراط.

كما نصت هذه الآية على أَن الْمَلَائِكَة متعبدون، قال تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦)}، فكانت رداً على من وصف الملائكة بصفات الألوهية أو الربوبية، فصرف لها شيئاً مما لا يجوز صرفه إلا لله - عز وجل -.

- ثالثاً: المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان.

المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان هو: اعتمادهم على العقل دون الشرع، حيث وصفوا الملائكة حسب ما تمليه عليهم عقولهم، فمنهم من أفرط فوصفها -حسب ما صور له عقله- بأنها إناث، محاولة منه لإخضاع عوالم الغيب لمقاييسه البشرية الدنيوية، ولقد


(١) وذلك أن جهينة، وخزاعة، وبني مليح، وبني سلمة، وعبد الدار، زعموا أن الملائكة بناتُ الله.
ينظر: الجامع لأحكام القرآن (١٥/ ١٣٣).
(٢) قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨)} الزخرف: ١٧ - ١٨. أبان الله - عز وجل - أن المرأة تنشأُ وتشب في الحلية والترف، وهي عند الخصام واللجاج لا تستطيع الإبانة عن حجتها على الوجه الصحيح.
ينظر: تفسير القرآن العظيم (٤/ ٢٤، ١٢٦)، والمقولات التي أبطلها القرآن ومنهجه في إبطالها (ص ٣٣٩ - ٣٤٠).
(٣) مجموع الفتاوى (١٢/ ١٦٥).

<<  <   >  >>