للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الأول: الانحراف المؤدي إلى التفريط في الإيمان باليوم الآخر.]

بالرغم من إجماع الأديان السماوية والملل (١)، وعلى رأسها الإسلام على وجوب الإيمان باليوم الآخر، وإثبات البعث بعد الموت حقيقة واقعة لا ريب فيها، إلا أنه قد وجد قديماً وحديثاً من ينكر هذه الحقيقة، وينازع في إمكان وقوعها بعد الموت، وعلى رأس هؤلاء المنكرين الدهريون والطبيعيون من الفلاسفة المتقدمين.

وحاصل مذهبهم إنكار البعث بعد الموت، والجنة والنار والجزاء الأخروي، حيث جعلوا الغاية من وجود الإنسان هي التعقل والتأمل المطلق للكون، وعند هذا الحد ينتهي دورهم في الحياة (٢).

وقد تأثر بمذهبهم من جاء بعدهم من الفلاسفة، وخاصة الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام كالفارابي، وابن سينا، وابن رشد، فهؤلاء وإن لم ينكروا البعث مطلقاً لكنهم أنكروا البعث الجسماني (٣)؛ لأنه لا يمكن البرهنة عليه عقلاً بزعمهم.

ومن ثم أنكروا النعيم والعذاب الحسي الأخروي المتمثل في وجود الجنة والنار، والحشر والحساب، والصراط، ووزن الأعمال، وجعلوا جميع ذلك أموراً معنوية تحصل للروح فقط، بعد مفارقتها البدن حيث تصبح عالماً عقلياً مطلقاً (٤).

كما أن الإسماعيلية (٥)

- التي تنسب إلى الإسلام كذباً- تنكر الجنة والنار وغيرها من الأمور الأخروية ويؤولون النصوص المختصة باليوم الآخر بأن المراد بها تناسخ الأرواح، وكذلك


(١) مما لا شك فيه أن الكتب السماوية التي أنزلها الحق تبارك وتعالى كانت تزخر نصوصها بذكر اليوم الآخر، والتخويف منه، والتبشير بما أعده الله للمؤمنين به في جنات النعيم، والتحذير من النار وأهوال القيامة، إلا أن هذه الكتب طرأ عليها تحريف كثير، وذهب كثير من نصوصها التي تتعرض لليوم الآخر. ينظر: الوسطية في ضوء القرآن الكريم للصلابي (ص ٢٩٨).
(٢) ينظر: تاريخ الفلسفة اليونانية ليوسف كرم، (٢/ ٤٠٣ - ٤١٥)، القضاء والقدر في الإسلام، د. فاروق دسوقي (٣/ ١٨٥ - ١٩٢).
(٣) وحاصل مذهبهم في هذا الجانب أنهم جعلوا للمعاد صورتين: الأولى: جسمانية وهي الأدنى في نظرهم، وهي التي نطقت بها الشريعة، وثبتت بالنص المتلقى من النبوة. الثانية: روحانية، وهي الأكمل، وقد ثبتت بالعقل والقياس البرهاني بزعمهم، وانتهوا إلى إنكار المعاد الجسماني، والقول بالمعاد الروحاني الذي حقيقته: أن الأرواح تعود إلى عالمها الأول، الذي صدرت منه، وفارقته مدة مصاحبتها للبدن، وهو عالم العقول المفارقة على اختلاف بينهم في عودها وبقائها.
ينظر: الصفدية (٢/ ٢٨٣)، موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من آراء الفلاسفة (ص ٤٥٥ - ٤٥٦).
(٤) ينظر: موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من آراء الفلاسفة ومنهجه في عرضها، د. صالح الغامدي (ص ٤٥٥).
(٥) الإسماعيلية: فرقة باطنية، انتسبت إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق، ظاهرها التشيع لآل البيت، وحقيقتها هدم عقائد الإسلام، تشعبت فرقها وامتدت عبر الزمان حتى وقتنا الحاضر، وحقيقتها تخالف العقائد الإسلامية الصحية. وقد مالت إلى الغلو الشديد لدرجة أن الشيعة الاثني عشرية يكفرون أعضاءها. وقد تشعبت الإسماعيلية لفرق عده، هي: الإسماعيلية القرامطة، والإسماعيلية الفاطمية، والإسماعيلية الحشاشون،

<<  <   >  >>