أما المعتزلة فيوافقونهم في حكم يوم القيامة، فهؤلاء ضيقوا على الناس بمحاسبتهم بكبائرهم ومعاصيهم، فكم يبقى في الدين من رجل بعد هذا التشدد والتعسير؟ وعند المرجئة المؤمن على رأيين: ١ - من أوقفوا الإيمان على مجرد المعرفة والإقرار القلبي بالله وبرسوله، فلا فرق بين المؤمن والكافر إلا بالجهل بالرب أو جحوده، هذا عند المرجئة المحضة من الجهمية ومن وافقهم. ٢ - من حد الإيمان بالنطق باللسان فقط - وهم الكرامية - وإن جحد قلبه، فعلى هذا اسم المؤمن عندهم في الدنيا شمل المنافق والمعاند والزنديق؛ لأنهم أظهروا كلمة الإيمان نطقا، وإن لم يعتقدوها قلبا أو يطبقوها عملا. أما في الآخرة فعند المعرفية من المرجئة - كالجهمية المحضة وغيرهم - لا يدخل النار إلا الملاحدة المنكرون بقلوبهم وألسنتهم وجود الله، والمكذبون بقلوبهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - .. وعند الكرامية كل من نطق بلسانه دخل الجنة، وإن كان ما في قلبه خلاف ذلك، ومن لم ينطق بلسانه، بل اكتفى بتصديق قلبه وإيمانه ويقينه، فهو من أهل النار .. وبقية المرجئة مترددون ومنتقلون في هذا بينهما بشيء من الزيادة والنقصان، فمن ناقص على قولهم ومن زائد عليه كما سبق الكلام عليهم تفصيلا. وهؤلاء العصاة مهما كانوا عليه من معصيتهم أو كفرهم فهم كاملو الإيمان، فلا حاجة إلى جهاد المشركين، كما أنهم يتركون الملاحدة والمفسدين يعيثون في الأرض الفساد بجامع أنهم مؤمنون، بل وسعوا دائرة الإيمان وأدخلوا فيها الزنادقة وأكفر الكفرة. ينظر: مقالات الإسلاميين (١/ ١٦٨)، الملل والنحل (١/ ١١٥، ١٣٩ - ١٤٠)، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (ص ١٠٨).