للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثاً: بيان أن المعرض عن الصراط المستقيم مع علمه بالحق؛ واقع في النفاق:

تنطق آيات الكتاب العزيز بصفات الجانحين عن الصراط المستقيم، من الذين عرفوا الحق وكتموه لأي سبب كان (١)؛ قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} البقرة: ٩١، وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} البقرة: ١٠٩، وقال سبحانه: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤)} البقرة: ١٤٤، وقال: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦)} البقرة: ١٤٦، وقال: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠)} آل عمران: ٦٠، وقال: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٧١)} آل عمران: ٧١.وغيرها.

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: " وبالجملة فقد ذكر الله تعالى من أمور المنافقين في السور المدنية ... ما يطول ذكره، وعامة ما يوجد النفاق في أهل البدع، فإن الذي ابتدع الرفض كان منافقاً زنديقاً، وكذلك يقال عن الذي ابتدع التجهم، وكذلك رءوس القرامطة وأمثالهم لا ريب أنهم من أعظم المنافقين، وهؤلاء لا يتنازع المسلمون في كفرهم" (٢).

رابعاً: بيان أن المعرض عن الصراط المستقيم لا يوفق للهداية:

إن الله لا يوفق للهداية (٣) من هو مصاحب للباطل، مفتر على الله، كافر بآياته، ومن الأدلة على هذا المعنى؛ قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ


(١) هذا المعنى ينطبق في حق المعرضين عن الحق والدليل أمثال أصحاب الأديان والفرق الباطنية المنحرفة، أما من كان له دليل سائغ محتمل لاجتهاده فلا يكون داخلا ضمن هذا المعنى.
(٢) بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: موسى الدويش، (ص ٣٤١)، وينظر: لوامع الأنوار البهية (١/ ٣٩٥).
(٣) هذه الهداية الخاصة وهي هداية التوفيق، هي التي افترق الناس فيها، فأثبتها أهل السنة، وأنكرتها المعتزلة والقدرية، وهذه الهداية - هدايتهم الصراط المستقيم - هي هداية أوجبتها طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فطاعتهما محفوفة بهدايتين: هداية قبلها وهي سبب الطاعة، وهداية بعدها هي ثمرة لها، قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} (سورة النساء آية: ٦٩).

ينظر: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، لسليمان، سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (المتوفى: ١٢٣٣ هـ) (ص ٤٨٩).

<<  <   >  >>