للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خالق الخير، وإله الظلمة: وهو خالق الشر (١)، ويكفي في الرد عليهم قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)} الصافات: ٩٦.

- ثانياً: إرادة تنزيه الله - عز وجل - عن الظلم:

أرادت القدرية تنزيه الله - عز وجل - عن الظلم، حتى لا تنتفي عنه صفة العدل، فغلوا في جانب التصديق بالأمر والنهي والوعد والوعيد، ما جرهم إلى الظن بأنه لا يتم هذا إلا بالتكذيب بالقدر (٢)، وزعموا أن هذا مقتضى العدل؛ فأدخلوا إنكار مشيئة الله وخلقه أفعال عباده في فروع أصل العدل الذي أصلوه؛ بل حكموا على أفعاله - عز وجل - بأحكام من جهة النظر إلى الخلق، فجعلوا فعلاً لله - عز وجل - واجباً عليه بالنسبة للجميع، وجعلوا فعلاً لله - عز وجل - ممتنعاً عليه بالنسبة للجميع، وخلاف القدرية في مسألة الاستطاعة ناشئ عن أنهم قالوا: الواجب على الله - عز وجل - أن يجعل الناس سواء فيما يطيعهم، فكون هذا يوفق، وهذا يخذل، هذا غير سائغ؛ لأنه تفريق فإذا جعلنا الأصل هو أن يكون الناس سواسية (٣)،

فإن هذا قاعدة نبني عليها غيرها من مسائل القدر، وبهذا نشأت أقوال كثيرة محدثة في القدر وخلاف متنوع في المسائل العقلية، وما يجب على الرب - عز وجل -، وما لا يجوز عليه (٤).


(١) ينظر: مجموع الفتاوى (٣/ ١٤٨ - ١٤٩)، (٨/ ٢٥٨).
(٢) ينظر: درء التعارض (٨/ ٤٠٥).
(٣) أي أن الناس في فعل الله - عز وجل - سواء: وهو أن العاصي والمطيع، والمؤمن والكافر كلهم أعطوا شيئاً واحداً، فهذا فعل الخير، وهذا فعل الشر بمحض قدرته. وجعلوا هذا وهذا متساويين في القدرة والآلات؛ فلهذا نفوا خلق الله - عز وجل - للأفعال، وقالوا: إن العبد يخلق فعل نفسه، لئلا ينتج عنها أن الله ظلم، أدخل الجنة هذا، وأدخل النار ذاك.
ونظر أهل السنة إلى أن الله - عز وجل - ساوى بين الناس: في التكليف، في الآلات، في الاستطاعة التي هي قبل الفعل، أما الاستطاعة التي مع الفعل، فلا يحدث الفعل إلا بأسباب، فأهل السنة والجماعة يؤمنون بتأثير الأسباب بمسبباتها، ولكنه تأثير بقدرة الله - عز وجل -، فلو شاء لسلب هذا التأثير، فلا ينكرون الأسباب وتأثيرها، ولا يعتمدون عليها ويرون استقلال تأثيرها دون الله، ولا يعرضون عنها لعلمهم أن لكل شيء سبباً، فينسب فعل العبد إلى قدرة الرب نسبة مخلوق إلى خالقه، وينسب نفس الفعل إلى قدرة العبد نسبة مسبب إلى سببه، ولا تعارض بين النسبتين.

ينظر: شرح الأصول الخمسة (ص ٣٤٥)، مجموع الفتاوى (٨/ ٤٨٧) (٨/ ٥٠٥)، منهاج السنة (٢/ ٢٩٤)، شرح الطحاوية لآل الشيخ (٢/ ٢٦٩).
(٤) ينظر: مشابه القرآن للقاضي عبد الجبار (٦٤ - ٦٥).

<<  <   >  >>