للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- سادساً: التأثر بشبهات الفلاسفة وغيرهم، ورد نصوص الشرع:

أورد الفلاسفة على المتكلمين شبهات في الإيمان باليوم الأخر، منها قولهم: أن الإنسان الذي يأكله حيوان، وذلك الحيوان أكله إنسان، فإن أعيدت تلك الأجزاء من هذا، لم تعد من هذا؟ وأوردوا عليهم: أن الإنسان يتحلل دائماً، فما الذي يُعاد؟ أهو الذي كان وقت الموت؟ فإن قيل بذلك لزم أن يعاد على صورة ضعيفة، وهو خلاف النصوص، وإن كان غير ذلك فليس بعض الأبدان أولى من بعض! (١).

فخاض المتكلمون في هذه الشبهة، وقالوا: بأن الأجسام مركبة من الجواهر المفردة، وهم في الإعادة على قولين:

الأول: من يقول تنعدم الجواهر ثم تعاد.

الثاني: من يقول تفرق الأجزاء ثم تجتمع (٢).

وهذا القول وغيره من الأقوال فيه خبط واضطراب، كما أن فيه فتحاً لشبهات الفلاسفة الذين ينكرون المعاد الجسماني، فإنهم -أي: الفلاسفة- منعوا إعادة الجواهر بعدما تتفرق، ويرون أن من مات فقد قامت قيامته وينكرون عودة الأرواح إلى الأجسام وبعث تلك الأجساد؛ ذلك لأن البعث الجسماني متوقف على إعادة المعدوم سواء كانت عن فناء وعدم- مطلقين، أم كانت عن جمع بعد تفريق، وهذا محال -على حد زعمهم- وكل ما توقف على المحال فهو محال.

فاستحالة الإعادة بعد العدم أمر دلّ عليه العقل عندهم، أما استحالة الجمع والإحياء بعد التفريق فللقطع بفناء التأليف والمزاج وكثير من الأعراض والهيئات (٣).

وكان الواجب على المتكلمين أن يكونوا مع السلف ويقولوا بمقالتهم التي ثبتت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويؤمنوا بأن الله يُعيد الأعيان والأجسام بصفاتها دون دخول في مصطلحات الفلاسفة التي اخترعوها، وقدرة الله شاملة عامة تامة فلا يعجزه تعالى شيء في الأرض ولا في السماء، ولو كلفوا أنفسهم قراءة كتاب الله لوجدوا أمامهم قصة إبراهيم والطير وقصة من مر


(١) ينظر: تهافت الفلاسفة للغزالي (٢٩٥ - ٢٩٦)، وشرح المقاصد (٢/ ٢١٣).
(٢) ينظر: مجموع الفتاوى (٥/ ٤٢٤)، النبوات (١/ ٣١٢)، بيان تلبيس الجهمية (١/ ٢٨٥).
(٣) ينظر: شرح المقاصد للتفتازاني (٢/ ٢١٣)، والمواقف للإيجي (ص ٣٧١)، ومفتاح دار السعادة (٢/ ٦٢٤).

<<  <   >  >>