للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتفلسفة والمعتزلة ونحوهم ما أحدثوه من الأقوال التي نفوا بها صفات الله، ونفوا بها رؤيته في الآخرة، وعلوه على خلقه، وكون القرآن كلامه، ونحو ذلك ... فتجد أحدهم يقول: ليس بجسم، ولا جوهر، ولا عرض، ولا له كم ولا كيف، ولا تحله الأعراض والحوادث، ونحو ذلك، وليس بمباين للعالم ولا خارج عنه ... " (١). وهم في ذلك بين مصرح وملمح، في دعواهم أن الأدلة لا تفي بالدين ولا تكفي لتنظيم حياة الناس؛ فظهر عن هذا كثرة الاختلاف والفرقة فيما بينهم، وهذا أمر واضح فلا تجدهم يتفقون على شيء، فانظر إلى فرق الخوارج وفرق الشيعة وفرق المعتزلة وهكذا، وهذا من أبرز أسباب ظهور البدع المتقابلة.

يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: " وأهل البدع إنما دخل عليهم الداخل، لأنهم أعرضوا عن هذا الطريق، وصاروا يبنون دينهم على مقدمات يظنون صحتها، إما في دلالة الألفاظ، وإما في المعاني المعقولة، ولا يتأملون بيان الله ورسوله، وكل مقدمات تخالف بيان الله ورسوله فإنها تكون ضلالاً ... ومن عدل عن سبيلهم وقع في البدع التي مضمونها أنه يقول على الله ورسوله ما لا يعلم، أو غير الحق، وهذا مما حرمه الله ورسوله" (٢).

وقد تساءل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: كيف تختلف هذه الأمة، وكتابها واحد، ورسولها واحد، وقبلتها واحدة؟ فقال له ابن عباس - رضي الله عنهما -: ((يا أمير المؤمنين: إنما أنزل علينا القرآن فقرآناه، وعلمنا فيما أُنزل، وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن، ولا يدرون فيما نزل، فيكون لكل قوم فيه رأي، فإذا كان كل ذلك اختلفوا)) (٣).

٣ - اتباع الهوى: وهذا أصل الزيغ ومفارقة الحق، وقد سمي أهل البدع، أهل الأهواء؛ لأنهم اتبعوا أهواءهم، فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار


(١) درء التعارض (١/ ٢٧٥ - ٢٧٧).
(٢) الإيمان (ص ٢٧٣)، الفتاوى (٧/ ٢٨٨).
(٣) أخرجه البيهقي في الشعب برقم (٢٢٨٣)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع برقم (١٥٨٧).

<<  <   >  >>