للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه القيمة لها أثرها في حياة الإنسان وسلوكه، وتحمله المسئولية، وتحقيق العدالة والمساواة بين الخلق، وهي أصل ومبدأ من مبادئ الإسلام الراسخة، تقصر دونه كل المبادئ والقيم الأخرى، وقد رتب على هذا: "أن الجزاء مرتب على العمل"، فلا أحد يظلم بحمل وزر غيره؛ إلا من سلك سبيل المضلين فإنهم يحملون أثقالهم وأثقال إضلال الناس {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (١٣)} العنكبوت: ١٣، وذلك كله من أوزارهم.

إن حل مشكلات البدع المتقابلة تبدأ من النفس، ومسيرة ألف ميل في إصلاح الأمة تبدأ بخطوة إصلاح النفس أولاً.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن مسئولية الفرد تتشعب إلى شعبتين: مسئولية تجاه نفسه وأخرى تجاه مجتمعه. ويمكن القول بأن مسئولية الفرد نحو نفسه قد تتسع بحيث تصبح مسئولية نحو مجتمعه، كما أن مسئوليته نحو المجتمع قد تضيق بحيث تكون أيضا مسئولية نحو شخصه بالذات (١)؛ فالبنيان لبنات متفرقة، فعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا)) (٢).

- مظاهر الوسطية في الجانب الاجتماعي والإنساني:

ليست الوسطية شعاراً يرفعه مدعوه بل هي ممارسة عملية في واقع الحياة (٣)، متحررة من النفعية الضيقة فهي لا تخدم إلا المصلحة العامة، فلا هدف لها سوى تحقيق النظام العام الإسلامي (٤).

من أجل ذلك نظم الإسلام العلاقة بين أطراف المجتمع حاكماً ومحكوماً؛ فحرم على المحكوم أن يخرج على حاكمه، وحرم على الحاكم غش رعيته، فجعل عقاب الحاكم إليه (٥)، وعقابه


(١) ينظر موضوع: مسؤولية الفرد في الإسلام http://www.habous.gov.ma/
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الصلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره برقم (٤٨١)، ومسلم في صحيحه كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين برقم (٢٥٨٥).
(٣) ينظر: بحوث ندوة أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو، المحور الأول: مظاهر الوسطية في الإسلام د. سليمان بن إبراهيم العايد (ص ٥٤).
(٤) ينظر: مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، (ص ٢١) العدد العشرون ١٤١٤ هـ.
(٥) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من امر أمتي شيئا فرفق بهم، فأرفق به)) أخرجه مسلم في صحيحة كتاب الإمارة حديث باب فضل الإمام العادل وعقوبة الجائر، برقم (١٨٢٨)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)) أخرجه مسلم في صحيحة كتاب الإمارة باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار، برقم (١٤٢).

<<  <   >  >>