للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)} التوبة: ٣١.

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: " قد وقع فيه طوائف من المتعبدة والمتصوفة، حتى خالط كثيراً منهم من مذهب الحلول (١) والاتحاد (٢)

ما هو أقبح من قول النصارى أو مثله أو دونه" (٣).

- الغلو في التمسك بأقوالهم: التعصب للآراء وعدم الرجوع للحق ولو بعد بيانه، من أهم أسباب ظهور البدع المتقابلة، فهم يتعامون عن الحق تعامياً عجيباً، قال تعالى {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦)} الحج: ٤٦. ومن شواهد ذلك غلو الخوارج والمعتزلة في آيات الوعيد، وغلو الجبرية في إثبات القدر.

والمتأمل لحال هؤلاء يجد أنهم يتميزون بالتفاني والتكلف في الدعوة إلى أهوائهم ونشرها وطلب الأتباع والمؤيدين، قال تعالى: {كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢)} يونس: ١٢، وقال: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٨)} فاطر: ٨.

والتعصب الأعمى، لابد أن يكون معه رد ما عند المخالف ولو كان حقاً، بل وطرح الأدلة القطعية وعدم الاعتداد بها -وهي أدلة الكتاب والسنة-


(١) الحلول: معناه أن الله يحل في بعض مخلوقاته، ويتحد معها، أي نزول الذات الإلهية في الذات البشرية، ودخولها فيها، فيكون المخلوق ظرفاً للخالق بزعمهم، كاعتقاد النصارى حلوله في المسيح عيسى ابن مريم، واعتقاد بعض الناس حلوله في الحلاج، وفي بعض مشايخ الصوفية.
ينظر: التعريفات للجرجاني (ص ٦)، وكشاف اصطلاحات الفنون لمحمد التهانوي (٤/ ٣٠٩)، ومجموع فتاوى ابن تيمية (٢/ ٢٨٦).
(٢) الاتحاد: معناه أن عين المخلوقات هو عين الله تعالى، عرَّفه الصوفية بأنه: تصيير الذاتين واحدة، وذلك بامتزاج الشيئين واختلاطهما حتى يصيرا شيئاً واحداً. ولقد وجد القول بالاتحاد عند النصارى حيث زعموا اتحاد الناسوت باللاهوت في شخص عيسى عليه السلام وهي مسألة مشهورة. وأشهر القائلين به: الحلاج، أبو يزيد البسطامي.
ينظر: التعريفات للجرجاني (ص ٢٢)، ومعجم مصطلحات الصوفية لعبد الرزاق الكاشاني (ص ٩، ٤٩).

والفرق بين الحلول والاتحاد: أنه موافق لمعناهما في اللغة، فالحلول في اللغة: النزول بالمكان، والاتحاد: كون المتعدد واحداً، وبدون الامتزاج إما أن تبقى إحدى الذاتين وتفنى الذات الأخرى؛ فلم يحدث حينئذٍ اتحاد، وإما أن تبقى الذاتان؛ فحينئذٍ يكون التعدد المنافي للاتحاد.
ينظر: عقيدة الصوفية ووحدة الوجود الخفية لأحمد بن عبد العزيز القصير (ص ٤٥).
(٣) ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم (١/ ٧٧).

<<  <   >  >>