للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- ثالثاً: المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان.

المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان كان مأخذا عقلياً استولد لوازم متناقضة التزمت كل فرقة هذه اللوازم، واستدل لها أصحابها بشبهات مركبة من دلائل عقلية ونقلية.

وجماع شبهتهم التي كانت الأصل والمستند في مخالفتهم تعود إلى انحرافهم في تصور الذات الإلية وما يلزمها من صفات فعليه، لينتج عن ذلك، اتجاهان باطلان في مسألة دعاء الله - عز وجل -:

[الاتجاه الأول: إنكار الدعاء]

فقول الملاحدة كان لازماً من لوازم إنكارهم لوجود الله - عز وجل -، أما الجبرية والقدرية فقولهم كان لازماً لانحرافهم في مسألة خلق الله لأفعال العباد، فالمجبور قال: الدعاء تحصيل حاصل ولا فائدة منه، والقدري قال: إن الله يكتب الأجور والسيئات ثم جنة ونار، فلا فائدة من دعائه، بزعمهم أنهم ينزهون الله عن ظلم العباد.

[الاتجاه الثاني: الشرك في الدعاء]

نجد أن من أشرك في الدعاء قد بنى اعتقاده على مشابهة الخالق بالمخلوق، لاعتقاده أن من يدعوه يتوسط له لدى الله تعالى كما يتوسط لدى الرؤساء والزعماء، والشرك في الدعاء وطلب الحوائج من الأحياء والميتين، هو أصل شرك العالم، لذا كانت عناية الله تعالى بالشرك في الدعاء أكثر من غيره، قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (٤١)} الأنعام: ٤٠ - ٤١.

- رابعا: أثر اجتماع الرد على البدع المتقابلة في موطن واحد:

أتت هذه الآية الكريمة للدلالة على أن المذهب الحق ليس ما ذهب إليه أصحاب البدع المتقابلة، بل هو ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، وصرح به علماؤها باشتمال الدعاء على التوحيد؛ لأن توحيد الربوبية هو إفراد الله تعالى بأفعاله، ومن جملة أفعال الله تعالى إجابة الداعي وإغاثة المستغيث.

<<  <   >  >>