للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٧ - رد البدعة ببدعة أخرى]

يجب الالتزام بمنهج الوحي في الرد، ولا ترد البدعة ببدعة ولا يقابل الغلو بالتفريط ولا العكس؛ إلا أن "المبتدعة عادة يقابلون البدعة بالبدعة. فعندما غلا بعضهم في علي - رضي الله عنه -، كفره آخرون، وعندما غلا بعضهم في الوعيد -الخوارج- غلا آخرون في الوعد حتى نفوا بعض الوعيد -يعني المرجئة- وعندما غلا المعتزلة في التنزيه حتى نفوا الصفات، غلا آخرون في الإثبات حتى وقعوا في التشبيه" (١).

يقول ابن قتيبة - رحمه الله -: " ولما رأى قوم من أهل الإثبات إفراط هؤلاء في القدر وكثر بينهم التنازع حملهم البغض لهم واللجاج على أن قابلوا غلوهم بغلو، وعارضوا إفراطهم بإفراط فقالوا بمذهب جهم في الجبر المحض وجعلوا العبد المأمور المنهي المكلف لا يستطيع من الخير والشر شيئاً على الحقيقة ولا يفعل شيئاً على الصحة ... وكلا الفريقين ضل، وعن سواء الحق حائد" (٢).

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: والمقصود هنا أن هؤلاء المتكلمين الذين جمعوا في كلامهم بين حق وباطل (٣)، وقابلوا الباطل بباطل، وردوا البدعة ببدعة، لما ناظروا الفلاسفة وناظروهم، في مسألة حدوث العالم ونحوها، استطال عليهم الفلاسفة لما رأوهم قد سلكوا تلك الطريق، التي هي فاسدة عند أئمة الشرع والعقل، وقد اعترف حذاق النظار بفسادها ... (٤).


(١) شرح الطحاوية: (٢/ ٧٩٩) بتصرف يسير.
(٢) الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة لابن قتيبة الدينوري (ص ٢٠).
(٣) قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: " وعلم الإنسان باختلاف هؤلاء، ورد بعضهم على بعض، وإن لم يعرف بعضهم فساد مقالة بعض، هو من أنفع الأمور، فإنه ما منهم إلا من قد فضل مقالته طوائف، فإذا عرف رد الطائفة الأخرى على هذه المقالة عرف فسادها، فكان في ذلك نهي عما فيها من المنكر والباطل، وكذلك إذا عرف رد هؤلاء على أولئك، فإنه أيضا يعرف ما عند أولئك من الباطل، فيتقي الباطل الذي معهم؛ ثم من بين الله له الذي جاء به الرسول، إما أن يكون قولا ثالثا خارجا عن القولين، وإما أن يكون بعض قول هؤلاء، وبعض قول هؤلاء، وعرف أن هذا هو الذي كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وعليه دل الكتاب والسنة، كان الله قد أتم عليه النعمة، إذ هداه إلى الصراط المستقيم، وجنبه صراط أهل البغي والضلال؛ وإن لم يتبين له كان امتناعه عن موافقة هؤلاء على ضلالهم، وهؤلاء على ضلالهم، نعمة في حقه، واعتصم بما عرفه من الكتاب والسنة مجملا، وأمسك عن الكلام في تلك المسألة، وكانت من جملة ما لم يعرفه، فإن الإنسان لا يعرف الحق في كل ما تكلم الناس به" منهاج السنة (٥/ ٢٨٢)، ونحوه في (٢/ ٢٦٤ - ٢٦٥)، وينظر: درء التعارض (٤/ ٢٠٦) (١٠/ ٣١٧ - ٣١٨).
(٤) ينظر: درء التعارض (٨/ ٢٧٩).

<<  <   >  >>