للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول - رحمه الله - في ضرب الأمثلة لمن قابل البدعة ببدعة مثلها: "كما قد يصير بعض الجهال المتسننة في إعراضه عن بعض فضائل علي وأهل البيت؛ إذا رأى أهل البدعة يغلون فيها" (١).

قال ابن القيم - رحمه الله -: وهذه الفرقة الثانية قابلت هذه الفرقة ... ولكن ردوا من الحق المعلوم بالعقل والفطرة والشرع ما سلطوا عليهم به خصومهم وصاروا ممن رد بدعة ببدعة, وقابل الفاسد بالفاسد، ومكنوا خصومهم بما نفوه من الحق (٢).

فيلحظ أن البدعة كانت سبباً في نشوء بدعة أخرى؛ لأنهم قابلوا باطلهم بباطل، فاندفعوا إلى المغالاة في تقدير أولئك الذين غالى غيرهم في إيذائهم، وهكذا يدفع الكبت العقلي والنفسي دائماً إلى المبالغة في التقدير إما بإفراط أو تفريط.

ولازم هذه المقابلة بين المبتدعة أن كلاً منهم يقول عن الآخر إنه ليس على شيء، قال شيخ الإسلام: " واختلاف أهل البدع هو من هذا النمط، فالخارجي يقول: ليس الشيعي على شيء، والشيعي يقول: ليس الخارجي على شيء، والقدري النافي يقول: ليس المثبت على شيء، والقدري الجبري المثبت يقول لك ليس النافي على شيء، والوعيدية تقول: ليست المرجئة على شيء، والمرجئة تقول: ليست الوعيدية على شيء، بل ويوجد شيء من هذا بين أهل المذاهب الأصولية والفروعية المنتسبين إلى السنة، فالكلابي يقول: ليس الكرامي على شيء، والكرامي يقول: ليس الكلابي على شيء، والأشعري يقول: ليس السالمي على شيء، والسالمي يقول: ليس الأشعري على شيء، ويصنف السالمي كأبي علي الأهوازي كتاباً في مثالب الأشعري، ويصنف الأشعري كابن عساكر كتاباً يناقض ذلك من كل وجه، وذكر في هذا مثالب السالمية" (٣)،


(١) مجموع فتاوى ابن تيمية (٦/ ٢٦).
(٢) ينظر: إعلام الموقعين (١/ ٣٣٥).
(٣) منهاج السنة (٥/ ٢٦٠ - ٢٦١).

<<  <   >  >>