للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

o تعطيل الله عن إفراده بالألوهية:

يرتبط الانحراف في توحيد الألوهية بالانحراف في الربوبية؛ لأن توحيد الربوبية هو أحد أنواع التوحيد الثلاثة كما تقدم؛ ولذا فإنه لا يصح إيمان أحد ولا يتحقق توحيده إلا إذا وحد الله في ربوبيته، لكن هذا النوع من التوحيد ليس هو الغاية من بعثة الرسل - عليهم السلام -، ولا ينجي وحده من عذاب الله ما لم يأت العبد بلازمه توحيد الألوهية؛ لأن توحيد الربوبية هو مقام الجمع بين المخلوقات والفرق بينهم لا يتحقق إلا بالأمر والنهي، وهو متعلق الألوهية (١).

ولذا يقول الله تعالى {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)} يوسف: ١٠٦، والمعنى أي: ما يقر أكثرهم بالله رباً وخالقاً ورازقاً ومدبراً- وكل ذلك من توحيد الربوبية- إلا وهم مشركون معه في عبادته غيره من الأوثان والأصنام التي لا تضر ولا تنفع، ولا تعطي ولا تمنع.

ومن لم يحقق توحيد الربوبية فقد قصر وتنقص موجب ربوبيته - سبحانه وتعالى -، ولهذا فإن جمهور القدرية لما أخرجوا مشيئة العبد وفعله عن مشيئة الله وخلقه أرادوا إثبات إلهيته، وأنه معبود محمود حكيم عادل فقصروا في ذلك ونقصوه موجب ربوبيته وقدرته ومشيئته (٢)؛ كذلك فرعون لما أنكر ربوبية الله تعالى لم يوف الألوهية حقها، فإنه لم يعبد الله البته، إذ كيف يعبده وهو ينكره أصلاً، والاتحادية لما قالوا باتحاد الخالق بالمخلوق فضلوا بذلك في توحيد الربوبية لم يوفوا الألوهية حقها، فعبدوا كل شيء؛ لأنهم يرون أن كل موجود هو الله (٣).

وهذا يبين أهمية توحيد الربوبية من جهة، والحذر من الوقوع في قوادح الربوبية من جهة أخرى؛ ولهذا كانت عناية أهل السنة والجماعة بهذا النوع من التوحيد فقد توسطوا أهل البدع المتقابلة، ومن ترك الحق من أهل البدع ابتلي بالباطل، وبعدد لوازم توحيد الربوبية نجد من عطلها أو أشرك فيها.

وسيأتي للحديث بإذن الله تعالى مزيد بيان عن الانحراف في توحيد الألوهية في المبحث القادم.


(١) ينظر: منهج شيخ الإسلام ابن تيمية في تقرير عقيدة التوحيد (٢/ ٤٩٨).
(٢) ينظر: نواقض الإيمان القولية والعملية (٩٧ - ٩٨).
(٣) ينظر: جهود شيخ الإسلام في تقرير توحيد الربوبية لعادل العامري (٢/ ٨٦٩) وما بعدها.

<<  <   >  >>