للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيتضح أن من نتائج وآثار البدع المتقابلة السجن والتعذيب وإراقة الدماء سواء مكنوا من مقاليد السلطة، والتعليم، والقضاء، أم لم يمكنوا.

[٣ - تسلط الأعداء عليهم في القديم والحديث]

إن قوة الأمة لا تكون إلا في وحدتها واجتماعها، ولهذا لما تفرقت الأمة وظهرت البدع المتقابلة، تسلط عليها أعداؤها وساموها سوء العذاب (١)، فإذا أرادت الأمة العودة لمجدها وعزتها وقوتها فعليها بالاجتماع على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وعليها أن تنبذ التفرق والاختلاف، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

يقول الإمام ابن تيمية - رحمه الله - بعد ذكر الخلافات العقدية: " .. وهذا التفريق الذي حصل من الأمة علمائها ومشايخها، وأمرائها وكبرائها، هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها .. وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا أصلحوا وملكوا؛ فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب" (٢).

إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن هذه الأمة إذا افترقت وتقاتلت يتسلّط عليها العدّو (٣).

وقد وقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم -. وقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته بأن لا يسلط عليهم عدَوّاً من سوى أنفسهم، فاستجاب الله له الدعوة الثانية استجابة معلّقة، يعني: ما دامت أمتك مجتمعة على الحق، فإن الله لا يسلّط عليهم عدوًّا من الكفار، أما إذا حصل في الأمة افتراق كلمة، وحصل بينهم قتال فيما بينهم، وسبى بعضهم بعضاً، فحينئذ يعاقبهم الله - عز وجل - ويسلط عليهم الكفّار، ولا يزال الخلاف وتسلط الكفار على


(١) ومن الأمثلة ما حكاه الذهبي بقوله: "قصد الطاغية هُولاكو بغداد بجيوشه .. ودخل التتار بغداد واقتسموها .. وبقي السيف يعمل أربعة وثلاثين يوماً، وقَلَّ من سَلِم. فبلغت القتلى ألفَ ألفٍ وثمانمائة ألف وزيادة .. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون". دول الإسلام للذهبي: (٢/ ١٥٩ - ١٦٠). وتسلط الأعداء يكون بأي وسيلة كانت.
(٢) مجموع الفتاوى (٣/ ٤٢١).
(٣) عن ثوبان - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله زَوَى ليَ الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوِيَ لي منها. وإني سألت ربي لأمتي أن لا يُهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم. وإن ربي قال: يا محمَّد، إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يُرد، وإني أعطيتك لأمتك: أن لا أهلكهم بسنة بعامة، وأن لا أسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يُهلك بعضاً، ويَسْبي بعضهم بعضاً".

أخرجه مسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض برقم (٧٤٤٠).

<<  <   >  >>